المجمع الديني المشرقي المُكتشف في تل الحسكة
( كاتدرائية - كنيسة - مقبرة )
Tell Al Hassake
تل أثري يقع وسط مدينة الحسكة على الضفة اليسرى لمجرى نهر الخابور، وعلى الضفة اليمنى لمجرى نهر
الجغجغ،على بعد (1700متر) من التقاء نهر الجغجغ بنهر الخابور.وتشير طبوغرافية الموقع على أنه
يتألف من كتلتين رئيسيتين:
-الكتلة الأولى: المدينة المرتفعة و تُقدَر مساحتها ب (6 هكتارات)، وترتفع ( 309,25م) فوق سطح البحر.
استخدمت هذه الكتلة كحامية عسكرية خلال الفترة المملوكية - العثمانية، ثم ثكنة عسكرية فرنسية ،
وبعد الاستقلال عرفت بثكنة سعد بن أبي وقاص.
في عام ( 2007 م ) تم تسليم التل إلى دائرة آثار الحسكة بعد نقل ملكيته من وزارة الدفاع إلى وزارة الثقافة.
-أمّا الكتلة الثانية:المدينة المنخفضة فإنها تشغل مساحة تُقدّر ب (54 هكتاراً) يتوضّع عليها معظم أبنية مدينة
الحسكة القديمة، وبذلك تصبح مساحته (60 هكتاراً) (الشكل رقم 1).
فبين عامي (1975-1977م) أجرت بعثة أثرية ألمانية من جامعة توبينغن برئاسة د."ولفجانج روليج"،
و"هارتموت كونه" أعمال مسح أثري في منطقة الخابور الأدنى جنوب مدينة الحسكة، ومن ضمنه تل الحسكة.
حيث عثرت في الموقع على أدلــّة تؤكد أنّه تمّ الاستيطان فيه خلال العصر الحجري الحديث- الألف السادس قبل الميلاد،
وخلال العصر البرونزي بمراحله الثلاثة.
وفي (عام 2008م ) بدأت بعثة أثرية من المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية برئاسة د.عبدالمسيح بغدو أعمال
التنقيب والبحث الأثري في التل بهدف معرفة الدور الذي لعبه الموقع خلال الألف الثاني والأول ق.م، والتعرّف فيما
إذا كان يحتوي في طيّاته مدينة مكريزي الوارد ذكرها في الرقم المسمارية المكتشفة في تل الشيخ حمد
(دور كاتليمو) العائدة إلى العصر الأشوري الوسيط والحديث. (الشكل رقم 2)
بيّنت أعمال التنقيب التي تمّت في الموقع خلال أربعة مواسم ( 2008-2011 م ) في عدّة مربّعات بمساحة تُقدّر ب
(1600م2 ) (الشكل رقم 3) وجود أربعة سويّات أثريّة.
تعود السويّة الأولى إلى فترة الحضارة العربيّة الإسلاميّة ( مملوكي- أيوبيّ)، والسويّة الثانيّة إلى فترة الحضارة
البيزنطيّة.أمّا السويّة الثالثة فتعود إلى فترة الحضارة الرومانيّة. وتعود السويّة الرابعة إلى العصر الآشوري الحديث .
- تمّ الكشف داخل السويّة العائدة إلى فترة الحضارة العربيّة الإسلاميّة عن أجزاء من أساسات لجدران حجريّة تعود
إلى العصر المملوكي.توضّع تحتها منشآت معماريّة (سكنيّة - حرفيّة) تعود إلى العصر الأيوبيّ ( القرن13- 12م )،
مُشيّدة من مادة اللبن ومن الحجر، أجزاء من جدرانها وأرضيّاتها مطليّة بمادة الجص.وتوضّع على أرضيّاتها مجموعة
من التنانير ولقى فخاريّة مزجّجة، بالإضافة إلى أحواض مطليّة بمادة الجص. (الشكل رقم 4)
- وتمّ التعرف داخل السويّة الثانيّة العائدة إلى فترة الحضارة البيزنطيّة على مجمع ديني مشرقي ضمَّ
( كاتدرائيّة- كنيسة- مقبرة ).تمّ بناؤه في الفترة المسيحيّة المبكرة (القرن الرابع الميلادي )، من الحجر البازلتي المربوط
بمونة جصيّة، جدرانه مطليّة بمادة الجص، استمرّ استخدامه حتى القرن (الحادي عشر الميلادي)، (الشكل رقم 5)
والذي مرّ بثلاثة مراحل رئيسيّة اُجري عليه بعض التعديلات التي أثـّرت بشكل جزئي على مخططه العام.
يتم الدخول إلى المجمّع من الجهة الغربيّة بواسطة مدخل رئيسي، يؤدّي إلى فسحة سماويّة تتـّصل بإيوان يؤدي إلى مدخل
الكاتدرائيّة في الجهة الجنوبيّة، وإلى مدخل الكنيسة في الجهة الغربيّة. وهنالك توضعّ في الجهة الشمالية الغربية من
الإيوان بئر مبنيّ من الحجر البازلتي يرتبط فيه من جهة الشرق حوض الاغتسال المطليّ بمادّة الجص.(الشكل رقم 6)
أولاً - الكاتدرائيّة (cathédrale) : أبعادها (31 م × 18م × 2,34 م).
تتألـّف من قسمين رئيسين :
القسم الأول- صحن الكاتدرائيّة: أبعاده (21م× 16م )
يتألـّفُ من ثلاثة أروقة (شمالي- أوسط - جنوبي )،أرضيّـته مرصوفة باللبن المشوي، أبعاده (28*28سم) .
توضعّ داخله أربع قواعد لعامودين، وأربع قواعد لأربعة أعمدة. يبلغُ طول إحداها (5 أمتار) مصنوعةٌ
من الحجر البازلتي ُزيـّن تاجه بزخارف هندسية.وكرسيّ لجلوس المطران في الرواق الشمالي. وكتلة حجريّة
دائريّة الشكل المُسماة أمبون (AMBON) في الرواق الأوسط، ترتبط ببيت القدس بواسطة مصطبة وثلاثة درجات
(الشكل رقم 7 ).يتـّسع صحن الكاتدرائية إلى عدد من المصلـّين يتراوح مابين (600- 650) وهم جالسين.
القسم الثاني- قدس الأقداس: يتألف من:
1- بيت القدس "الهيكل": أبعاده (8,40× 7,78م)
توضعّ في الجهة الشرقية منه المائدة المقدسة المُشيّدة من أربعة قواعد وأربعة أعمدة ارتفاعها (1م) تبتعد عن
بعضها مسافة (2م). (الشكل رقم 8 )
2- غرفة المعمودية : أبعادها (3,45×2,86م)
تقع جنوب بيت القدس.عُثر بداخلها على جرن المعمودية، توضعّ فوقه صندوق الذخائر, المصنوع من الحجر الكلسي
القاسي,وفي داخله عظام إنسانيّة. (الشكل رقم 9 )
وعلى جزء من لوحة مصنوعة من الطين المشوي، نُقش عليها أشكال هندسية ونباتية،وكتابة بالخط الأسطرنجيلي
إضافة إلى إشارتين لصليب. (الشكل رقم 10 )
3- غرفة الخدمة "الشمامسة": أبعادها (8,30×3,45م)
توضّعت شمال بيت القدس.كُشف بداخلها تحت أرضية المرحلة الثالثة على دنـّين من الفخار لتخزين النبيذ
(الشكل رقم 11 ).
وختم حجري دائري الشكل أبيض اللون نُقش على الوجه في الوسط إشارة صليب, وأربعة صلبان في المحيط.
(الشكل رقم 12 )
وكذلك سراج (الشكل رقم 13 ) , وأجزاء من سلسال لمبخرة مصنوعة من خلائط معدنية (مادة البرونز).
إلى الشمال من غرفة الخدمة خارج الكاتدرائية تمّ الكشف عن معصرة تحويل العنب إلى نبيذ أبعادها
(4,50×2,50م) تتألفُ من قسمين رئيسين. (الشكل رقم 14 )
ثانياً- الكنيسة (chapelle) : أبعادها (22,50م×14,50م)
تمّ التعرف على الكنيسة في الجهة الجنوبية من الكاتدرائية تتألفُ من قسمين رئيسين :
القسم الأول- صحن الكنيسة : أبعاده (12,90 م×8,60م)
وهومؤلـّف من ثلاثة أروقة (شمالي- أوسط - جنوبي)، يفصلها عن بعضها البعض عمودين ُ مشيّدين من الحجر
البازلتي.أرضيتهُ مطلية بمادة الجص. (الشكل رقم 15 ) .
توضعّ في الرواق الشمالي كرسي لجلوس المطران المصنوع من الحجر البازلتي واللبن المشوي مطلي بمادة الجص،
(الشكل رقم 16 )
يقابله في الرواق الجنوبي داخل الجدار مقعد لرجل دين واحد. نرجح أنّه لشخصية أقل مرتبة دينية,
وإلى الغرب منه مقعد لجلوس عدد من رجال الدين.
القسم الثاني - بيت القدس (المُصلـّى ): أبعاده (5,10×2,10م )
توضعّ في منتصف الجهة الشرقية من الصحن. زُيّنت واجهة مدخله بعمودين حجريين لهما شكل نصف دائري.
ثالثاً- المقبرة (cimetière):أبعادها (18م× 8م)
تمّ التعرف على المقبرة في الجهة الشمالية من الكاتدرائية،اتجاهها شرق- غرب.أرضيتها مطلية بالجص.
(الشكل رقم 17 ) تتألف من قسمين رئيسيين:
القسم الأول:أبعاده (2×8م )
يتألف من ثلاثة هياكل زُيّنت واجهتها بأعمدة حجرية نصف دائرية،يحيط بها جدار من الجهة الشرقية.
وُجد على أرضية الهيكل الجنوبي ختم مصنوع من الجص نُقش على الوجه في الوسط إشارة صليب،
يحيط به إطار. (الشكل رقم 18 )
القسم الثاني :أبعاده (16م× 8 م)
تتصل المقبرة مع الهيكل الرئيسي الأوسط بواسطة ممر، وجد داخلها تسعة عشر مدفناً،
تم الكشف عن ثلاثة مدافن منها, واُجريت دراسة علمية كاملة للمدفن رقم (1) (الشكل رقم 19 ) .
ودراسة أولية للمدفنين ذوات الأرقام (2- 3 ).
- كما تمّ الكشف في السوية الثالثة العائدة إلى فترة الحضارة الرومانية عن جزء من فرن مبني من اللبن المشوي.
(الشكل رقم 20 )
- أما السوية العائدة إلى العصر الآشوري الحديث فقد ضَّمت عدة جدران مبنية من مادة اللبن بلغ ارتفاع إحداها
(5, 2 م ).(الشكل رقم 21 )
إنَّ الاكتشافات الأثرية الحديثة في تل الحسكة أضافت معلومات جديدة عن تاريخ هذه المنطقة
- حيث تم التعرف على استمرارية الاستقرار في مدينة الحسكة دون انقطاع منذ يومنا هذا وحتى القرن
الثاني الميلادي.بعدها حدث فترة انقطاع استمرت حتى القرن الثامن ق.م ( العصر الآشوري الحديث).
علماً أنه قبل أعمال البحث الأثري في تل الحسكة لم يكن تاريخ استقرار الإنسان في مدينة الحسكة معروفاً
إلاَّ مع بداية القرن العشرين.
- كما أكدت الاكتشافات الأثرية أنها كانت مدينة هامة خلال الفترة المسيحية المبكرة. فمن خلال مقارنة ما تمّ الكشفُ
عنه في الموقع مع المواقع الأخرى القريبة منها مثل تل تنينير(سورية) الذي نرجح وجود علاقة مباشرة
بينهما خلال هذه الفترة, والمواقع البعيدة مثل كنيسة بازيان في السليمانية ( العراق), وكنائس أخرى
في جمهورية أرمينيا, وفي أوروبا. تبيّن وجود تشابه في العديد من النقاط الأساسية.كالمخططات المعمارية,
والأشكال الزخرفية.مما يؤكد وجود علاقات وثيقة, وتأثير متبادل فيما بينهم.
ويبقى السؤال المطروح على بساط البحث العلمي :هل الموقع هو مدينة مكروز الوارد ذكرها في خارطة
بوتنكر خلال هذه الفترة.(الشكل رقم 22) وكذلك مدينة مكريزي الوارد ذكرها في الرقم المسمارية
المكتشفة في تل الشيخ حمد العائدة للعصر الأشوري الوسيط والحديث.
أو أنّ الموقع يحتوي في طياته مدينة أخرى. لعّل أعمال التنقيب والأبحاث الأثرية المستقبلية تجيب على ذلك.
د. عبد المسيح حنا بغدو
Dr. ABD AL MASIH HANNA BAGDO
2016-9-18م
مراجع للاستزادة:
..................................
1- أثناسيو,متري هاجي,سورية المسيحية في الألف الأول الميلادي,سورية الشمالية,المجلد (1-2),دمشق 1997.
2- بغدو، عبد المسيح, مائة وخمسون عاماً من البحث الأثري في الجزيرة السورية (محافظة الحسكة). دمشق، 2009.
3- حبي,يوسف,كنائس الموصل,بغداد 1980
4- ديركيفوركيان, شاهي, علاقات هندسة العمارة المسيحية المبكرة بين أرمينيا و سوريا, ترجمة عن الأرمنية
د. كشيشيان, ألكسندر, حلب 2002م
-TELL TUNEINIR (Middle Khabur) (1992) FULLER , M. ET, N-
( TH Campaign,1992,CA S,1992 Valume I, DAMASCUS,P. 171-172
-PRUSS,A. BAGHDO,A. (2002). TELL FACHRIYE -
Bericht Uber Die Erste Kampagne -
Der Duetsch-Syrischen Ausgrabungen 2001,M D OG Zu BERLIN
, Nummer134, BERLIN 2002.
-Rolling, W, Kuhne,H .(1977-1978) -The lower habur a preliminary Report-
on a Survery Con du Cted by AAAS, Vol, XXVII-1975,Inthe Tubingen
Atlas Des vorder Orient, XXVIII, Damascus. Pp.115-128
(الشكل رقم 1)
(الشكل رقم 2)
(الشكل رقم 3)
(الشكل رقم 4)
(الشكل رقم 5)
(الشكل رقم 6 )
(الشكل رقم 7 )
(الشكل رقم 8 )
(الشكل رقم 9 )
(الشكل رقم 10 )
(الشكل رقم 11 )
(الشكل رقم 12 )
(الشكل رقم 13 )
(الشكل رقم 14 )
(الشكل رقم 15 )
(الشكل رقم 16 )
(الشكل رقم 17 )
(الشكل رقم 18 )
(الشكل رقم 19 )
(الشكل رقم 20 )
(الشكل رقم 21 )
(الشكل رقم 22)
البعثة الأثرية السورية العاملة في تل الحسكة مع فريق العمل بتاريخ 2-12-2011م
عبدالمسيح حنا بغدو - دكتوراه في العلوم التاريخية - اختصاص علم آثار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق