*البحث الأثري في تل عربيد TELL ARBID:
شمال شرق مدينة الحسكة، و29كم جنوب غرب مدينة القامشلي،
وهو ذو شكل دائري مساحته 45هكتاراً، ويرتفع عن السهول المحيطة
به 30 م، وتشير طبوغرافية الموقع إلى أنه يتألف من التل الرئيس
الذي تبلغ مساحته 300×450 م، وتل صغير يقع إلى الشرق منه،
وثلاثة تلال صغيرة أخرى تقع في الجهة الغربية منه.
في العام نفسه الذي أجرى فيه "مالوان" حفريات في تل كرمير،
وأثناء قيامه بأعمال المسح لبعض التلال الأثرية في منطقة الخابور
لفت انتباهه تل عربيد المتمركز على بعد 15 كم شرق تل شاغر بازار،
حيث وضع خريطة طبوغرافية للتل، وأجرى فيه ثمانية أسبار ،
فعثر في السويات العميقة على أدوات تتصل بشكل تاريخي مع
السويات (4- 5) في تل شاغر بازار. وكان من بين أهم ماكشفه "
مالوان" في الموقع جزءاً من سور المدينة العائدة إلى الألف الثالث ق.م
. ومدفنان: احتوى الأول منهما على أدوات سوداء معرضة للحرارة،
متطابقة مع كسر فخاريات السويات (2 - 3) من تل شاغر بازار،
بينما كان تاريخ الثاني يعود إلى الفترة الهلنستية.
لقد أثبتت أعمال البحث الأثري التي أجراها "ماكس مالوان" في تل عربيد،
أنه كان مركزاً حضرياً هاماً، نشطت حركته خلال الألف الثالث
والنصف الأول من الألف الثاني ق. م.
أما في عام 1996م فقد بدأت بعثة أثرية سورية – بولونية مشتركة
برئاسة د. "أحمد سرية" من المديرية العامة للآثار والمتاحف،
و د. "بيوتر بلنسكي" من جامعة وارسو أعمال التنقيب في الموقع مجدداً،
ومن خلال عشرة مواسم تنقيب متتالية في عدة قطاعات تمكنت البعثة
من التعرف على العصور التي مرت على الموقع وهي :
"- فترة حلف – فترة نينوى /5/ - فترة فجر السلالات الباكرة الثالثة
– الفترة الأكادية وما بعدها – (فترة الخابور) الفترة البابلية القديمة
– الفترة الآشورية القديمة – الفترة الميتانية – الفترة الآشورية الحديثة
– الفترة الهلنستية – فترة الحضارة العربية الإسلامية القرن الثاني عشر الميلادي".
وبينّت أعمال التنقيب التي نفذتها البعثة الأثرية التشيكية بالمشاركة
مع البعثة المشتركة برئاسة د." إنا ماتا إسيوتسوفا" من جامعة برنو منذ عام 2005م
في الجهة الشرقية من التل على بعد 600م وجود مستوطنة تعود إلى فترة حلف.
أما في التل الرئيس فقد تم الكشف عن سوية أثرية تعود إلى فترة نينوى /5/ المعروف
بفخاره المحزز أي حوالي 2800ق.م، مما دل على أن الموقع كان مستوطنة
كبيرة في تلك الفترة، حيث وصلت مساحتها إلى حوالي 10هكتارات،
وأكد ذلك المنشآت المعمارية الضخمة المبنية من اللبن المكتشفة في القطاع (W)
والتي عثر في داخل إحدى غرفها على ثلاثمائة طبعة ختم اسطوانية الشكل
مصنوعة من الطين (BULLAE)، بالإضافة إلى منصة ضخمة
أبعادها 12×20م مبنية من اللبن تعود إلى فترة نينوى المتأخرة.
وفي القطاع (D) تم التعرف على جزء كبير من بناء محفوظ بشكل جيد،
وهو عبارة عن مجموعة أبنية سكنية ومنشآت معقدة التكوين يفصل
بينها شارع ضيق، وعلى منشآت معمارية أخرى كشف عنها في
القطاع SD حيث تعود إلى فترة نينوى /5/ المتأخرة.
لقد بدأ الاستيطان مجدداً في تل عربيد خلال فترة فجر السلالات الباكرة الثالثة
أي حوالي عام 2550ق.م، كما تركز في هذه الفترة تحديداً عند قمة التل
القطاع: S-SSحيث كشف عن جزء من بناء مؤلف من سبع غرف
ذي وظيفة إدارية، جدرانها الخارجية لها دعامات متباعدة منتظمة،
وتوضّع تحته بناء يعود إلى مرحلة أقدم منه وهو محفوظ بشكل جيد.
كما تم التعرف على مجموعة من المباني السكنية المؤلفة من عدة غرف
تعود إلى الفترة نفسها القطاع: (SD). وأكدت المكتشفات استمرار الاستيطان
في التل خلال الفترة الأكادية وما بعدها القطاع : SS-SDوذلك من خلال الكشف
عن منازل وقبور تعود إلى الفترة الأكادية، إضافة إلى بقايا أبنية تعود
إلى الفترة ما بعد الأكادية.
هذا وقد شهد الموقع في بداية الألف الثاني ق. م استيطاناً يعود إلى فترة الخابور
لم يحدد حجمه، كونه دمر القسم الأعظم من طبقاته الأثرية خاصة في قمة التل
القطاع:SS الذي كشف في داخله عن أجزاء من منازل وبعض القبور المقببة.
وفي القطاع (M) تم التعرف على عدة مبان تألف أحدها من غرفة كبيرة
وقد أحاطت بها عدة غرف صغيرة، وهناك غرفة للطبخ، وتنور
عثر بجانبه على مجموعة من الجرار الفخارية الملونة بعضها محروقة،
وعلى قبر مقبب مبني من اللبن المشوي وجد في داخله هيكل عظمي لامرأة،
وهيكلين عظميين لطفلين بجانبهما مجموعة من الجرار الفخارية الملونة
ذات الأحجام المختلفة.
كما كشف في القطاع (SR) عن جزء من منشأة معمارية سكنية تعود إلى
نفس الفترة عثر في إحدى غرفها على مجموعة نادرة من الأواني
الصغيرة وأشكال من أثاث منـزلي، ودمى إنسانية.
ومع نهاية فترة الخابور توقف الاستيطان في الجزء الرئيس من التل،
لكنه استخدم كمقبرة خلال الفترة الميتانية وذلك في القرن الرابع عشر ق.م،
حيث كشف في القطاع (SS) عن مدفنين ضمَّا هيكلين عظميين لفتاتين شابتين،
ومجموعة من اللقى الجنائزية الهامة، وهي عبارة عن دبابيس من الفضة
مطلية بطبقة رقيقة من الذهب، ومجموعة خرز مصنوعة من الذهب
والزجاج والعقيق والصدف والعاج تشكل عقوداً لتزين الرقبة،
وخلخالاً في القدم، بالإضافة إلى مجموعة من الأواني الفخارية والأدوات
البرونزية وختمين اسطوانيين:
الأول مصنوع من الهيماتيت، والثاني مصنوع من الزجاج (FRIT)
على جانبيه إطاران ذهبيان، وتعد هذه اللقى من أغنى اللقى الأثرية التي
عثر عليها في الموقع حتى الآن
أمّا في الفترة الميتانية فقد انتقل مركز الاستيطان إلى الجهة الغربية من التل
القطاع: A الذي ضَّم العديد من السويات الأثرية، أهمها السوية العائدة
إلى هذه الفترة، والتي احتوت على جزء من منشأة سكنية تألفت من
مجموعة منازل خربت بعض غرفها بحفر تعود إلى الفترة الهلنستية،
والفترة الإسلامية المتأخرة حيث عثر في داخلها على طبعة ختم اسطواني،
هذا ويفصل بينها طريق مرصوف بالكسر الفخارية، وأقنية لتصريف المياه
شيد أحدها من الفخار الاسطواني الشكل.
وفي الجهة الغربية منه تم الكشف على سوية تعود إلى الفترة الآشورية الحديثة
احتوت على كتلة معمارية، كما تم التعرف على منـزل مبني من اللبن تألف
من عدة غرف ومطبخ، وقد عثر في إحدى الغرف على رأس دمية طينية لامرأة،
وقطعة نقدية وقبور كشف في داخلها أدوات جنائزية مصنوعة من المعادن
تعود إلى الفترة الهلنستية أي القرن الثاني والثالث ق.م.
وأكدت الطبقات التي تم الكشف عنها بأن الاستيطان استمر في الموقع خلال
الفترة الرومانية المتأخرة ولكن بشكل جزئي وثانوي ثم توقف بعد ذلك بشكل نهائي.
بقلم د.ع.بغدو
المرجع : مائة وخمسون عاماً من البحث الأثري في الجزيرة السورية -دمشق 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق