2018/04/14

إكتشاف مدينة (كحت) العائدة إلى الفترة البابلية القديمة - القرن 18 ق.م,وأجزاء من قصر الملك الأشوري أدد نيراري الأول - القرن 13ق.م،وكذلك أجزاء ن قصر الملك الأشوري تيكولتي نينورتا الثاني - القرن 9 ق.م في تل بري.

إنَّ الآثار الموجودة في الجزيرة السورية

أغنى من بترولها وأكثر مردوداً،

وهي أكثر منطقة واعدة في العالم بالآثار".

 العالم الآثاري الإيطالي الأستاذ الدكتور باولو ايميليو بيكوريلا

مدير البعثة الأثرية الأيطالية العاملة في تل بري.



البحث الأثري في تل بري  TELL BARRI -  KAHAT :

يقع تل بري على الضفة اليسرى لمجرى نهر الجغجغ،

 وعلى بعد 55 كم شمال شرق مدينة الحسكة، يرتفع عن

 السهول المحيطة به  32م، وهو بيضوي الشكل يحتل جزؤه

 الرئيس مساحة 7هكتارات، أما الأجزاء المنخفضة التي تأخذ

 تضاريسها شكل هلال فإنها تشغل مساحة 27هكتار،

 وبذلك يصبح إجمالي مساحته 34 هكتاراً.

وقد ذكر اسم مدينة  /كحتلأول مرة في الرقم المسمارية

 المكتشفة في موقع ماري، حيث كانت في الفترة الآشورية

 القديمة عاصمة دولة صغيرة تابعة إلى ماري حسبما جاء

في مراسلات الملك "شمشي أدو"، و "إشم داغان"،

 ثم خضعت لحكم زمري - ليم ملك ماري، وتذكر أحد الرقم

 المسمارية مقاييس معبد في داخله حجرة صغيرة وحوله غرف،

 وأمامه فناء عريض وهو معبد الإله تيشوب /TeŠub/ إله العاصفة

 على الأرجح، وأنه كان موجوداً في القرن الخامس عشر ق.م،

 أي خلال الفترة الميتانية حيث أودع في داخله نسخة من معاهدة دولية

 بين شوبيلوليوما Šuppiluliuma ملك الحثيين،

 وبين شاتيوازا Šattiwaza ملك الميتانيين مما يعني أن كحت كانت

 مركزاً دينياً هاماً للمملكة الميتانية، وأنها كانت تتمتع أيضاً بسلطان سياسي.

وقد ذكرت في الفترة الآشورية الوسيطة بين أسماء المدن السبعة التي احتلها

 ملك أشور أدد نيراراي الأول1305/ Adad-Nirari-I/ 1274 - ق.م.

كما ذكرت في أواخر القرن التاسع ق.م في الفترة الآشورية الحديثة في

 نصب يعود للحاكم الآشوري /شانباتيبيليالذي وسم سنة 831ق.م

حكم المقاطعة التابعة لآشور:/نصيبينأوركاركحت – مازاكا /،

وكذلك ذكر اسم مدينة /كحتضمن البلاد الثائرة في عهد الملك الآشوري

 شمشي أدد الخامس823- 810ق.م.

بقي موقع مدينة /كحتمجهولاً حتى عام 1961م عندما عثر صدفة

 في تل بري على نقشين حجريين من البازلت لهما مقاييس واحدة، فكان

 الطول 1م، والعرض 82سم، والسماكة 20سم، الأول سليم؛ والثاني مكسور

 مشطور من قطره، وبعد قراءتهما من قبل الأستاذ "جورج دوسان"

تبين أن نص الكتابتين واحد. 

 وكانت ترجمة النصين كالآتي: 

قصر توكولتي نينورتا-

ملك العالم ملك بلاد أشورابن أداد نيراري ملك العالم،

 ملك بلاد أشورابن آشوردان - ملك العالم، ملك بلاد آشور

القصر واقع في وسط مدينة كحت.

 وتعودان إلى القرن التاسع ق.م حيث اختار الملك الآشوري

 توكولتي نينورتا الثاني مدينة /كحت/  لبناء قصر له،

 واستناداً لما لاحظ الدكتور "فان ليرفي الصور الجوية التي

 التقطت من قبل الأب بوادباردفقد استخلص وجود ثلاثة غدران

 تتوضع في شرق التل طول كل منها مئة متر تقريباً.

هذه الغدران اليوم جافة لا تظهر جلياً على الأرض ،

وقد وردت /كحتفي مراسلات ماري خلال الفترة البابلية القديمة

 "كتب إيشم داغان إلى أخيه جاسماه - أدّو نائب ملك ماري ليصيد له

 أسماك من نوع جيريتو(Giritou) من غدير كحت."

 وبذلك أثبت "دوسانأن مدينة /كحتهي غائبة في ثنايا تل بري.

وفي عام 1980 م بدأت بعثة أثرية إيطالية بإدارة الدكتور

"باولو ايميليوبيكوريلاأعمالها التنقيبية في الموقع بهدف التعرف

على تسلسل الاستيطان فيه، وتبين لها أن الموقع مرَّ بالفترات الزمنية التالية :"

فترة حلف، فترة أوروك الحديث، فترةجمدة نصر، فترة فجرالسلالات الباكرة

 بمراحلها الثلاثة، الفترة الأكادية، الفترة البابلية القديمة، الفترة الميتانية،

 الفترة الآشورية الوسيطة، الفترة الآشورية الحديثة، الفترة البابلية الحديثة،

 الفترة الأخمينية، الفترة الهلنستية، الفترة البارثيةالرومانية،

 الفترة البيزنطيةالساسانية، فترة الحضارة العربية الإسلامية". 

 وقد عثرت البعثة في قمة التل الرئيس، وفي المدينة المنخفضة المحيطة به

 على مجموعة من الكسر الفخارية الملونة تعود إلى فترة حلف،

 وعلى ختمين اسطوانيين ومجموعة كسر فخارية تعود إلى فترة أوروك الحديثة،

 بيد أنه لم تظهر أية معالم معمارية تشهد على تلك الفترتين.

وعلى عمق 13متر في المنحدر الغربي من التل القطاع (B) تم التعرف

 على بيوت سكنية احتوت على أوان فخارية تعود إلى فترة

فجر السلالات الباكرة بمراحلها الثلاثة، ومن خلال دراستها تمَّ تمييز

ثلاثة طبقات حضارية تمثل تسلسلاً لا يشوبه انقطاع، وكان أول هذه الطبقات

 تعود إلى فترة نينوى /5/ حيث وجد بداخلها أوان طبخ فخارية،

 وأخرى ذات حواف ثخينة وخشنة فضلاً عن أوان طينتها رقيقة،

 وضمَّت الطبقة الثانية عدداً كبيراً من الأقسام السفلية لأقداح طويلة ذات حزوز أفقية،

 وفي أسفل القطاع عثر في الطبقة الثالثة على نوع من الأسوار المبنية

من الطين التي ترقى إلى فترة فجر السلالات الباكرة الأولى .

وفي الجهة الجنوبية الشرقية من الموقع كشف في القطاع / G/على عدة

 سويات أثرية أقدمها يعود إلى فترة فجر السلالات الباكرة الثالثة أي

"منتصف الألف الثالث ق.مضمَّت معبداً ذا جدران مرتفعة مؤلف من ساحة

 وعدة غرف عثر بداخلها على مجموعة من الأواني الفخارية أكواب

 ذات وظيفة دينية إضافة إلى أوان فخارية تعود إلى فترة نينوى /5/،

 وقد توضعت فوقها سوية تعود إلى الفترة الأكادية احتوت على جدران

مبنية من اللبن وفرن كان يستعمل لصهر المعادن وشي الفخار،

 كما عثر على سوية تعود إلى الفترة البابلية القديمة احتوت على أبنية

من اللبن أرضياتها من اللبن المشوي، وعلى قبور مستطيلة الشكل مقببة

مبنية من اللبن المشوي احتوت على أدوات جنائزية.

استمر الاستيطان بعد الفترة البابلية القديمة وذلك من خلال الكشف عن سوية

عثر بداخلها على فرن وبيت مؤلف من غرفة واحدة وجد بداخلها أواني فخارية

 جميلة متقنة الصنع تعود إلى الفترة الميتانية.

أمّا الاكتشاف الأهم في هذا القطاع فهو أجزاء من القصر الذي يعود إلى

الفترة الآشورية الوسيطة فترة الملك أدد نيراري الأول13051274- ق.م،

حيث عثر بداخله على رقيم مسماري، ومجموعة مدافن ضمن جرار فخارية

 كبيرة احتوى بعضها على رفات وأدوات جنائزية، وبعضها الآخر كانت فارغة،

 احتوت إحداها على قطعة حجرية بينت الدراسات أنها كان قبراً رمزياً كما

 في نصب الجندي المجهول في أيامنا هذه

ويعد المدفن الذي عثر بداخله على رفات امرأة من أهم المدافن التي كشف عنها

 في الموقع حيث وضع في محيط القبر من الأسفل قطع من اللبن المشوي

 بشكل منتظموتأتي أهميته من خلال اللقى الجنائزية التي وجدت بداخله،

 وهي قطعة حجرية منقوش عليها كتابة هيروغليفية - ثلاث أقراط ذهبية

 - سلسلة ذهبية – مرآة برونزية مضاعفة ذات مقبض من طبقات متعددة طولياً

حجر - جص - خشب الأبنوس بالإضافة إلى قطع بحرية متحجرة وعدة زينة

وأدوات من العاج  ملعقة منقوشة على شكل يد إنسان - ملعقتان- مكاحل

 - أقشاطخاتم ذهبي، وقد توضعت فوقها أبنية سكنية احتوت على حوض

حمام وقبور ضمن جرار فخارية احتوت على أدوات جنائزية وختم اسطواني،

 وضمت السويات العلوية في القطاع نفسه آثاراً تعود إلى الفترة البابلية الحديثة

 والفترة الأخمينية والفترة الهلنستية والفترة البارثية – الرومانية.

وقد عثرت البعثة في القطاع /J/ الواقع في الجهة الغربية من التل على أجزاء

 من قصر تيكولتي نينورتا الثاني890844- ق.م العائد إلى الفترة

الآشورية الحديثة حيث ضمَّ الجزء المكتشف منه فناءً كبيراً مبلطاً باللبن المشوي

 مع صالة استقبال وغرف معيشة وملاحق أخرى، وقد عثر ضمن طياته

على زخارف رائعة مصنوعة من الحجر الكلسي الأبيض كانت تستعمل في

 مداخل غرف القصر. وقد توضع فوقه مبنى احتوى على فناء وعدة غرف صغيرة

 استعملت كمخازن ومستودعات ومدافن تعود إلى الفترة البابلية الحديثة عثر بداخلها

 على أوان فخارية أقفلت بواسطة أقفال طينية، ومجموعة أختام، إضافة إلى قطع

طينية تشير إلى وجود ورشات لحياكة الثياب والأقمشة ومن المرجح أن هذا القصر

 كان قد أعيد ترتيب بنائه خلال هذه الفترةوفي القطاع نفسه كشف عن مجموعة

 أبنية صغيرة، وتنور، ومقبرة لدفن الأطفال يعود تاريخها إلى الفترة الأخمينية المتأخرة،

 إضافة إلى قطع نقدية تعود إلى339-   330ق.م، وعن غرف أرضياتها مطلية

بالكلس احتوت على قناة لتصريف المياه يرجح أنها لقطاع خدمي تعود إلى الفترة الساسانية.

كما كشفت البعثة في القطاع / A/ الواقع في الجهة الجنوبية الغربية من الموقع على

 سوية تعود إلى الألف الثالث ق.م، توضع  فوقها سوية تعود إلى الفترة الميتانية

 تليها سوية تعود إلى الفترة الآشورية الوسيطة حيث وجدت فوقها غرف متممة

لقصر تيكولتي نينورتا الثاني، أيضاً كشف في القطاع نفسه على سوية تعود إلى

القرن الرابع والثالث ق.م حيث عثر بداخلها على قطع برونزية وأجزاء من

تمثال هرقل، هذا وقد تم تجهيز الموقع في الفترة البارثيةالرومانية من أعلى القمة

 وعلى كل محيط التل بسور دائري ضخم  مبني من اللبن المشوي مجهزاً بأبراج

 القطاع / H-E-D-C / حيث عثر بداخلها على غرف أرضياتها مبلطة بالحجر، وعلى

 قناة لتصريف المياه على شكل أنابيب فخارية مغلقة امتدت ما بين القطاعين / D-C /.

كما عثر في القطاع/ H / على قطع نقدية تعود إلى فترة الإمبراطور البيزنطي

 اناستاسيوس الأول 491-  518م،

 وعلى سوية تعود إلى فترة الحضارة العربية الإسلامية .

وفي القطاع/ M / المتوضع في الجهة الجنوبية من التل"المدينة المنخفضة"

كشف عن بناء ضخم بلغت مساحته حوالي 600 ممبني من اللبن المشوي

 مع حشوة جصية، و في بعض الأماكن من اللبن العادي ويعتقد أن هذا البناء

 ذو صفة إدارية مؤلف من سور ومدخل وباحة وعدة غرف إضافة إلى بئر

 مبني من القرميد المشوي يعود إلى الفترة البارثية أي القرن الثاني الميلادي.

كانت فترة الحضارة العربية الإسلامية آخر مرحلة في حياة تل بري فآثارها

 تنتشر في قمة التل المركزي القطاع / F /، وقد كشفت التنقيبات عن سويتين

 أثريتين من العهدين الأيوبي والمملوكي أي أنهما تعودان للقرن الثاني عشر

 - القرن الرابع عشر الميلادي، وتتمثل آثارها في معالم معمارية،

وبقايا أفران لصنع الخزف والفخار.

المرجع : بغدو , عبدالمسيح . مائة وخمسون عاماً من البحث الأثري

              في الجزيرة السورية - دمشق  2009





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق