2018/02/16

اكتشاف عاصمة الحوريين أوركيش في تل موزان ,التي تعد من أهم المراكز السياسية والدينية في منتصف الألف الثالث ق.م.


البحث الأثري عند ماكس مالوان في تل موزان TELL MOZAN:


يقع تل موزان إلى الشرق من ناحية عامودا على بعد 7كم،
يبلغ طول التل حوالي 700م، وعرضه 500م، وهو يرتفع
 عن السهول المحيطة به  28م، بينما يبلغ طول المدينة الخارجية
 حوالي واحد ونصف كيلو متراًوقد توسعت المدينة خلال
الألف الثالث ق.م، وبلغت مساحتها حوالي 140هكتاراً.

يعتبر "ماكس مالوانأول من اكتشف تل موزان حيث أجرى
 فيه أسباراً صغيرة لمدة أسبوع، إلا أن هذه الأعمال لم يذكرها
مالوان في منشوراته العلمية، لكن زوجته أغاثا كريستي
ذكرتها في كتاباتها حول ثلاث سنوات لها في الخابور،
والتي يمكن رؤيتها فقط في مجلته غير المنشورة والموجودة
 الآن في المتحف البريطاني التي تتحدث فيها عن ثلاثة أسبار
 أجراها في تل موزان.

وقد استنتج "مالوانمن خلال الكسر الفخارية التي اكتشفها
في تل موزان إلى أن التل يرقى للعصر الروماني، علماً أن
الأبحاث الأثرية الحديثة أكدت عدم وجود فخاريات رومانية مطلقاً
 في تل موزان.

بعد ذلك اختار العمل في تل "شاغر بازارلمتابعة أعماله في السبر
 الذي أطلق عليه حفرة ما قبل التاريخ، والذي كان قد بدأ العمل فيه
 عام 1934م بدلاً من تل موزان.

*البحث الأثري عند جورجيو بوتشيلاتي في تل موزان:

URKISH-TELL MOZAN

اكتسب تل موزان أهمية خاصة لوقوعه في سهول مروية بشكل
 جيد بجانب وادي دارا ضمن مثلث الخابور الأعلى، وعلى طريق
 التجارة من كافة الاتجاهات في المنطقة الواقعة عند سفوح جبال
 طوروس شمال سورية وتحت الممرات الجبلية المؤدية إلى سلسلة
جبال طور عابدين التي كانت منطقة الصيد الأولى لأوركيش وبالتحديد
 تحت ممر مدينة ماردين المعبر الرئيس إلى سهول الخابور من
 الطريق المؤدي إلى منطقة إرجاني (Ergani) الغنية بالمعادن.

وقد أظهرت الوثائق و المستندات العائدة إلى فترة أور
 (III) أن هذه المنطقة كانت مركز نشاط حوري في أواخر
 الألف الثالث ق.م، وكذلك نقوش الأسود العائدة إلى فترة
 ملك أوركيش تش - أتال (Tish-Atal) التي اهتمت بالمعبد
 المخصص لـ نرجال (Nerigal)، وقد عثر على هذين الأسدين
 اللذين احتويا نقوشاً في منطقة منتصف مثلث الخابور،
 وتم بيعهما في سوق الآثار عام 1948 م، وهما الآن
 موجودان في متحف اللوفر والميتروبوليتان.

في بداية الألف الثاني ق.م ذكرت /أوركيشفي النصوص
 العائدة إلى الفترة البابلية القديمة وذلك في يوميات الرحالة
 البابليين كمحطة لهذه الرحلات مما يعني أن أوركيش كانت
 مدينة أساسية خلال هذه الفترة وأنها كانت نقطة عبور هامة.
وجميع الدلائل تؤكد أن الموقع هو مدينة /أوركيش وإن لم يكن
 فمن الأكيد أن مساحة تل موزان كانت منطقة ذات التأثير الأساسي
 للحوريين (Horrian)، وأنها المركز الرئيس القديم للحوريين في المنطقة.
في عام 1984م، وبهدف التعرف على حضارة الحوريين خلال
 الألف الثالث ق.م في منطقة الخابور، وتوضيح التطابق الممكن
 لهذا الموقع أنه (Urkish)

بدأت بعثة أثرية أميركية من جامعة لوس أنجلوس أعمال التنقيب الأثري
 في تل موزان برئاسة د. "جورجيو بوتشيلاتي"، و تبين من خلال
 أعمال التنقيب المنهجي التي قامت بها البعثة لعدة مواسم في عدة قطاعات
 أنَّ تأريخ الاستيطان في هذا الموقع بدأ منذ الألف الخامس ق.م،
 وذلك من خلال العثور على سوية أثرية عثر في داخلها على
مجموعة من الكسر الفخارية تعود إلى فترة حلف، تتوضع فوقها
 سوية تعود إلى فترة فجر السلالات الباكرة الأولى 2900ق.م،
 وتعتقد البعثة أن بناء مدينة أوركيش تم في هذه الفترة، وقد عثر
 ضمن السوية العائدة إلى فترة فجر السلالات الباكرة الثانية 2650 قم
على مصطبة المعبد الضخمة، وعلى سور المدينة الداخلي القطاع: KW
 وعن مدافن في المدينة المنخفضة، وضمن سوية فترة فجر السلالات
 الباكرة الثالثة 2400 ق.م تمّ التعرف على المعبد (BA)،
 ويبدو أن سور المدينة الداخلي الذي أهمل خلال هذه الفترة،
 وتم إعمار سور المدينة الخارجي، بالإضافة إلى تشييد المجمع الإداري
 القطاع:OH2 في المدينة الخارجية، وكشف عن منشآت معمارية
 عثر بداخلها على طبعات أختام القطاع B2-5-C2، كما ضمَّت
 السوية العائدة إلى الفترة الأكادية 2300 ق.مالقصر (القطاع AK
العائد إلى فترة الملك توبكيش وزوجته أوكنيتوم وتأرم – أجاد ا
 ابنة الملك الأكادي نارامسين في /أوركيشوإيشارنابشوم،
 إضافة إلى المجمع السكني القطاع: F1 وعن استمرارية استخدام المعبد (BA)
أما في السوية العائدة إلى الفترة ما بعد الأكادية أي خلال فترة أور الثالثة
 2150 ق.م فقد تعرفت البعثة على منازل خاصة، وقبور في أعلى القصر،
 وحفرة مقدسة (Favissa) في القطاع  (A12)، وطبعات أختام
 (Pussam) في القطاع  (C2)، وأنه تم تجديد بناء المعبد
 (BA) واستمر استخدامه.

وضمن السوية العائدة إلى الفترة البابلية القديمة تم الكشف عن منازل
 خاصة وقبور في أعلى القصر، ومبان عامة في القطاع A17،
Ag، ومنشآت وقبور في (C2,C1)، إضافة إلى منشآت في
 أعلى المعبد القطاع BA.

واستمر الاستيطان في الموقع خلال الفترة الميتانية 1500-1400 ق.م،
 وقد عثر ضمن هذه السوية على منازل خاصة وقبور في
 القطاع (BH,A4,C2,A17) ومخزن في القطاع  (A17-18)،
وكان آخر استخدام لمصطبة المعبد في القطاع (J2)،
 أمَّا بعد هذه الفترة فقد تمَّ هجر الموقع ليغفو غفوته الأبدية.

وقد دل الكشف الأثري من خلال المادة الأثرية العمارة - اللقى الأثرية
 أن المدينة الخارجية توسعت لأقصى بعد لها في منتصف الألف الثالث ق.م،
 وأنه في هذه الحقبة من الزمن لم يعد هناك استخدام لسور المدينة الداخلي
 القطاع (A-B) ، إلا أنه بقي يوفر حداً فاصلاً بين المدينة الداخلية
والمدينة الخارجية التي سكنت، واستخدمت لأغراض مختلفة منها
 المساكن والمباني الإدارية والمقابر حتى نهاية الألف الثالث ق.م،
 وتقلصت المدينة إلى حدود التل الحالي في الألف الثاني ق.م.

هذا وقد بني القصر الذي ربط وحدتين معماريتين مقدستين سابقتين
 له تاريخياً في عهد الملك توبكيش وزوجته الملكة أوكنيتوم حوالي
 عام 2250 ق.م، واستخدم خلال عهدي خليفتيه زوج تأرمأجادا،
 وإيشار – نابشوم، فالوحدة المقدسة السفلى تكونت من منطقة
 مفتوحة تؤدي إلى بناء تحت مستوى الأرض يشبه الكهف،
 وهو البناء المغطى بشكل القبة وهو الأبي أي المكان الذي
 كان يهبط إليه الملك ليستشير فيه أرواح العالم السفلي،
 أما إلى أقصى اليمين فيتوضع المعبد عالياً على مصطبة ضخمة
 الذي يرتبط بالقصر بواسطة ساحة عريضة، وبذلك فإن عناصر
هذا المجمع كونت وحدة عضوية واسعة الأبعاد 250 متراً
 من الغرب إلى الشرق.

وقد تألف القصر من مستويينالمستوى الأول المنخفض يمثل
 جناح الخدمات الذي احتوى على المطبخ (القطاع D،
 وعلى مخزن المواد التموينية الخاص بالعائلة الملكية
القطاع B، ومنطقة خدمة يرجح أنه نفذت فيها احتياجات
 القصر الملكي القطاع C، أما القسم الرابع فقد حالت عوامل
 التعرية الطبيعية دون إمكانية التعرف على وظيفته
ومثل المستوى الثاني الأعلى الجناح الرسمي للقصر الذي
 يرتفع عن مستوى جناح الخدمات حوالي 2.5 م، والذي لم
 يكشف على مدخله بعد وفيه عاش الملك وعائلته ومنه أدار شؤون حكمه.
لقد احتوى القصر عدداً من الغرف أهمها الغرفة (N6) التي عثر
 بداخلها على مجموعة من الرقم المسمارية، وعلى ما يزيد عن (1000)
 طبعة ختم نقش بعضها بحروف مسمارية تعود إلى فترة حكم
 الملك توبكيش وزوجته الملكة أوكنيتوم وحاشيتهم .

وكشف في الغرفة (N1) على طبعة ختم تأرمأجادا ابنة نارام سين،
 وعثر في الغرفة (N3) على رقيم طيني مرسوم عليه مخطط يتطابق
 إلى حد كبير مع الغرف الثلاث13-1 (N4) ويعتقد أنه كان مخططاً
 صممه معماري لينفذه فريق عمال البناء المعني بإنشاء هذا القسم،
 وعن مجموعة من الرقم المسمارية والأختام الأسطوانية في أسفل
الجدار الغربي من المبنى العائد إلى الفترة الأكادية القديمة أهم
 ما فيها كسرتان قدّما نصاً مدروساً من ستة أسطر يعرض قائمة
 بأسماء مهن، وتأتي أهمية هذا النص كونه يشابه نصين سبق أن عثر
 عليهما في موقعي تل أبو الصلابيخ وإبلا مما يرجح وجود علاقات
 ثقافية و اقتصادية بينهما،وبين تل موزان /أوركيش/،
 ومن ناحية أخرى يتضح من المشاهد المنقوشة على الأختام الاسطوانية
أن مدينة أوركيش كانت مركزاً هاماً لفن صناعة الأختام في شمال سورية
 خلال الفترة الحورية.

وفي نهاية الألف الثالث ق.م لّوحت شمس هذا القصر بالمغيب،
حيث تم هجره فتوسعت المستوطنات فوق المكان الذي كان يشغله.
في البداية كانت المنازل محصورة شمالاً، أما فوق جناح خدمات القصر
 فقد أصبح موقعاً أقيمت عليه نشاطات اجتماعية، وخزنت فيه مؤقتاً مواد
تموينية في العراء وهي المرحلة /4/ والتي تم التعرف على أسماء ثلاثة
 من ملوك أوركيش خلالها هم :"سادار - مات، وأتال – شين، وأن –أتال"
وكشف في الجزء السفلي من المقطع الشمالي الكبير على سوية تعود
 إلى النصف الأول من الألف الثاني قم دلت مكتشفاتها أن المدينة
 كانت في تلك الفترة تحت سيطرة ملك ماري الذي نَصَّب في الموقع
حاكمين هما: "كانا تيرو -وهازيران"، وقد توضع تحتها سوية استيطان
 تعود إلى فترة الخابور، تلتها فترة استيطان تعود إلى الفترة الميتانية،
وهي آخر المستوطنات في أوركيش القديمة.

ومن أهم الشواهد المعمارية التي تم العثور عليها المعبد،
 وهو الذي شُيد في الفترة حوالي 2400-2300ق.م في قمة التل
 على مصطبة حجرية
والمعبد عبارة عن بناء مستطيل الشكل تبلغ أبعاده 9×16.5م،
ويرتفع حوالي 27م فوق مستوى السطح الأصلي للمدينة القديمة،
 كما تم التعرف على منشأة ضخمة لها شكل بيضوي وصل ارتفاع
جدارها الجنوبي الشرقي إلى 7أمتار فوق مستوى القصر والساحة،
 ولعل سبب محافظة جدران هذه المنشأة على حالتها بشكل جيد هو
 استمرارية استخدامها حتى أواخر فترة سكن أوركيش القديمة وصولاً
 إلى الفترة الميتانية التي شهدت آخر عهوده.

وأخيراً نقولإنَّ جميع الاكتشافات والدراسات التي توصلت إليها البعثة
 الأثرية العاملة في تل موزان بينت أن مدينة /أوركيشهي من أهم
المراكز السياسية والدينية في منتصف الألف الثالث ق.م،
 لأنها موطن الأساطير الحورية المقدسة.

بقلم د.ع.بغدو

المرجع : مائة وخمسون عاماً من البحث الأثري في الجزيرة السورية  -دمشق 2009









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق