لاعجب أن يقول العالم الايطالي باولو ايميليو بيكوريلا إن الآثار الموجودة في الجزيرة السورية أغنى من بترولها وأكثر مردودا وهي أكثر منطقة واعدة في العالم فتحت كل تلة من تلال الحسكة التي يتجاوز عددها الألف قصة تتحدث عن إرث حضاري وأثري زاخر باللقى يدل على أهمية المنطقة على مر الزمان .
فالكشوفات واللقى الأثرية التي اكتشفتها البعثات الأثرية الوطنية والأجنبية العاملة في الجزيرة السورية منذ منتصف القرن التاسع عشر دلت على أن الاستقرار الأول للإنسان فيها يعود للألف الثامن قبل الميلاد حيث عثر على منازل تعود لقرى وتجمعات تنسب لفترات حسونة وسامراء وحلف نسبة إلى تل حلف التابع لمحافظة الحسكة كما بلغ أوج الوجود البشري والحضاري فيها من خلال إنشاء ممالك ومدن تعود لحضارات عريقة كالأكادية والآشورية والبابلية والحثية والآرامية انتهاء بالعصور الإسلامية المختلفة.
ويرى الدكتور عبدالمسيح بغدو رئيس دائرة الآثار بالحسكة أن منطقة الجزيرة السورية أخذت دورها في التطور الحضاري انطلاقا من أهمية موقعها الجغرافي فهي تشكل حلقة وصل مهمة في منطقة المشرق العربي القديم من خلال وجودها بين بلاد الرافدين وجبال طوروس حتى شمال سورية و البحر الأبيض المتوسط وتنحصر المنطقة تحديدا بين نهري دجلة و الخابور وفروعهما الصغيرة المنتشرة بكثرة في هذه المنطقة فقد قامت عليها حضارات تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
ولفت بغدو إلى أن مدن الجزيرة السورية أصبحت من المراكز التجارية المهمة خلال فترة الحضارة العربية الإسلامية في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ميلادي ولكن عانت هذه المدن من الغزو المغولي حيث دمرت جيوش تيمورلنك في القرن الخامس عشر ميلادي معظم هذه المدن وما تبقى منها عانى الاهمال طيلة فترة الحكم العثماني لتعود لها الحياة في مطلع القرن العشرين .
وأشار إلى أن ما تم اكتشافه من لقى وسويات أثرية في التلال التي تعمل بها البعثات الأثرية الوطنية والأجنبية يشكل جزءا بسيطا مما تزخر به محافظة الحسكة من كنوز أثرية نفيسة الأمر الذي يستوجب تكثيف العمل لزيادة عدد التلال المكتشفة وتعريف العالم بإرثنا الحضاري العريق.
واستعرض مدير الآثار بالحسكة أهم التلال الأثرية في المحافظة ويأتي على رأسها تل براك والذي اكتشف فيه العالم ماكس مالوان قصر الملك الأكادي نارام سين الذي شيد فوق معبد العيون كما تمكنت البعثة الأثرية الانكليزية من خلال دراسة قطع الفخار الموجودة على سطح التل من التعرف على تاريخ أقدم استيطان بشري في الموقع ومن التلال الأثرية المهمة أيضا تل غويران على الضفة اليمنى لنهر الخابور إلى الجنوب من مركز المدينة ومن خلال دراسة الكسر الفخارية التي عثر عليها و الأسبار العميقة في التل تبين للبعثة الألمانية أنه يعود بتاريخه إلى العصر الحجري الحديث والبرونزي.
وهناك تل الفخيرية الذي عثر فيه على تمثال بازلتي بطول مترين يمثل الملك الآشوري هدد يسعي الذي حكم أواخر القرن التاسع وأوائل القرن الثامن قبل الميلاد وعليه كتابة ثنائية باللغة آشورية وآرامية تشير إلى أن اسم المدينة القابعة تحت التل كانت تسمى سيكاني والتمثال نصب أمام معبد إله الطقس في جوزانا أو تل حلف الذي لا يبعد كثيراً عن تل الفخيرية كما عثر داخل التل على سويتين أثريتين تحويان جدرانا تعود للفترة البيزنطية الرومانية ذراعاه مفقودتان وتعود صناعته للقرن الثاني الميلادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق