2017/02/12

إكتشاف جثمان رجل دين مسيحي في المدفن رقم (1) في تل الحسكة عام 2008م , تمّ تعذيبه وصلبه ودفنه, تاريخ الوفاة ما بين عامي ( 714- 774م)





دراسة أولية عن المدافن رقم (1-2-3) المكتشفة في المقبرة 

العائدة للمجمع الديني  في تل الحسكة

Al Hassake   Tell


المقبرة المكتشفة في تل الحسكة

تتمتع المنطقة التي تقوم فيها مدينة الحسكة الحالية بطبيعة مميزة , 
فالسهل الخصيب الممتد على مساحة واسعة مابين جبل كوكب,"
وحوله السهول البركانية في الشرق ", الذي يفصله نهر الخابور 
عن جبلعبدا لعزيز ذو الطبيعة الكلسية البيضاء الغنية بالثروات 
النباتية والحيوانية بأهمية بالغة في العصور القديمة , إذ كانت
عقدة للمواصلات التجارية والعسكرية بين الشمال و الجنوب,
وبين الشرق والغرب, وتؤكد التلال الأثرية المنتشرة في محيطها
محيطها ( تل مجرجع ,تل غرة, تل غويران ,تل أبو بكر,
تل أبوعمشة ,تل متعب..) المتباعدة قليلاً عن بعضها البعض أهمية 
هذه المنطقة.
يعتبر تل الحسكة المتوضع وسط مدينة الحسكة على الضفة اليسرى
لمجرى نهر الخابور, وعلى الضفة
اليمنى لمجرى نهر الجغجغ على بعد (1,7كم ) من التقاء نهر الجغجغ
بنهر الخابور, من أكبر تلك التلال حجماً, حيث تبلغ مساحته الكلية  
ستون هكتاراً وتشير طبوغرافية الموقع أنه يتألف من كتلتين رئيسيتين :
- الكتلة الأولى : المدينة المرتفعة و تُقدَر مساحتها بستة هكتارات,وترتفع
( 309,25م) فوق سطح البحر, استخدمت هذه الكتلة أول الأمر كحامية
عسكرية خلال الفترة المملوكية– العثمانية , ثم ثكنة عسكرية فرنسية 
خلال فترة الاحتلال الفرنسي لسورية , وبعد الاستقلال عرف بثكنة 
سعد بن أبي وقاص.
وفي عام ( 2007 م ) تم تسيلم جزء من هذه الكتلة من التل , 
والتي تُقدر مساحتها ب (2,5هكتار) إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف
- دائرة آثار الحسكة  بعد نقل ملكيتها من وزارة الدفاع  إلى وزارة الثقافة.
- أما الكتلة الثانية : المدينة المنخفضة يتوضع عليها معظم أبنية مدينة الحسكة 
القديمة. (الشكل رقم 1)
تُعد البعثة الأثرية الألمانية من جامعة توبينغن برئاسة 
(ولفجانج روليج,وهارتموت كونه ) أول من قدم لنا دراسات علمية عن الموقع,
وذلك بين عامي (1975-1977 م) من خلال أعمال المسح الأثري للتلال 
المنتشرة على جانبي نهر الخابور,حيث عثرت في الجزء الجنوبي من التل
على أدلة تؤكد وجود قرية تعودإلى العصر الحجري الحديث – الألف
السادس قبل الميلاد , وشواهد أخرى تعود إلى العصر البرونزي القديم ,
وفي الجزء الغربي منه استطاعت تمييز سوية أثرية سماكتها عدة أمتار 
ضمَّت في طياتها أدلة مادية تعود إلى عصر البرونز الوسيط والحديث.
 (الشكل رقم 2) 
بدأت بعثة أثرية من المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية - 
دائرة آثار الحسكة برئاسة عبدالمسيح بغدو أعمال التنقيب والبحث الأثري 
في التل لأول مرة في شهر تموز عام (2008م) , (الشكل رقم 3)  
بهدف معرفة الدور الذي لعبه ا لموقع خلال الألف الثاني والأول ق.م, 
والتعرف  فيما إذا كان التل يحتوي في طياته مدينة مكريزي الوارد 
ذكرها في الرقم المسمارية المكتشفة في تل الشيخ حمد (دور كاتليمو) 
العائدة للعصر الأشوري .في حملة كل من الملك الأشوري أشور بل كالا
(ASSUR-BEL-KALA( 1073-1056ق.م) العسكرية على هذه المنطقة,
والملك الأشوري توكولتي نينورتا الثاني (TUKULTI-NINURTA- II)
(980-884 ق.م), والملك الأشوري أشور ناصر بال الثاني
(ASSUR NASIR PAL II)  (884 - 859 ق.م). (الشكل رقم 4)
بينت أعمال التنقيب التي تمت  خلال أربعة مواسم ( 2008-2011 م )
في عدة مربعات بمساحة تُقدر ب (1600م2 ) (الشكل رقم 5)
وجود أربعة سويات أثرية . تعود السوية الأولى الأحدث 
إلى فترة الحضارة العربية الإسلامية ( مملوكي – أيوبي - سلجوقي)
،والسوية الثانية إلى فترة الحضارة البيزنطية. 
أما السوية الثالثة فتعود إلى فترة الحضارة الرومانية.
وتعود السوية الرابعة الأقدم إلى العصر الآشوري الحديث .
تم الكشف داخل السوية  الثانية على مجمع ديني ضمَّ 
كاتدرائية - كنيسة - مقبرة .
بينت الدراسة الأولية من خلال دراسة المكتشفات الأثرية أنه تم بناءه 
في القرن الرابع الميلادي - الفترة المسيحية المبكرة ,واستمر استخدامه
حتى القرن الحادي عشر الميلادي خلال فترة الحضارة العربية الإسلامية
(العصر الأموي – العباسي - السلجوقي), وأنه مر بفترتين أساسيتين 
أجري عليه خلالها  بعض التعديلات التي أثرت بشكل جزئي على 
مخططه العام.(الشكل رقم 6) 
الفترة الأولى تمتد مابين القرن الرابع والقرن السابع الميلادي.
أما الفترة الثانية فتمتد مابين القرن السابع والقرن الحادي عشر الميلادي.
ففي الفترة الأولى شُيد ت الكاتدرائية واستمر استخدامها حتى نهاية الفترة الثانية,
ومع بداية الفترة الثانية طرأ عليها  تعديلات نعتقد أنها تتعلق بطقوس مذهبية
طائفية مرتبطة بالصراع على هذه المنطقة بين الإمبراطورية البيزنطية 
من جهة والإمبراطورية الفارسية - الساسانية من جهة أخرى .
وأنه خلال هاتين الفترتين مرت بثلاثة مراحل رئيسية.
هذا وقد عاصرت الكنيسة الكاتدرائية خلال الفترة الأولى.
ومرت بمرحلتين رئيسيتين ,
وتؤكد المكتشفات أنه مع بداية الفترة الثانية استخدمت كقاعة استقبال,
وملحقات أخرى تابعة للكاتدرائية . بسب بناء جدار داخل صحن الكنيسة
الكنيسة وإغلاق مدخلها الرئيسي , ثم تم إغلاقها بالكامل خلال الفترة الثانية.
ونرجح أن السبب في ذلك أيضاً يتعلق بطقوس مذهبية طائفية.
أما المقبرة فإن جميع الدلائل العلمية المتوفرة لدينا تؤكد أنها استخدمت
خلال الفترة الثانية فقط . ولعلّ المكتشفات المستقبلية تجيب على تساؤلنا 
عن المقبرة التي استخدمت خلال الفترة الأولى. (الشكل رقم 7)

- المقبرة : أبعادها (18م× 8م)

تم التعرف على المقبرة في الجهة الشمالية من الكاتدرائية,اتجاهها شرق-غرب.
أرضيتها مطلية بالجص. تألفت من قسمين رئيسيين:
- القسم الأول: أبعاده (8×2م )
تألف من ثلاثة هياكل زُينت واجهتها بأعمدة حجرية نصف دائرية,يحيط بها جدار
من الجهة الشرقية بعرض (30سم). وجد على أرضية الهيكل الجنوبي ختم
مصنوع من الجص  نقش على الوجه في الوسط إشارة صليب, يحيط به إطار .
- القسم الثاني : أبعاده (16م× 8 م)
يتصل الهيكل الرئيسي الأوسط  مع القسم الثاني المقبرة بواسطة ممر
بطول (5م), وعرض (1,10م), وجد داخل هذا القسم تسعة عشر مدفناً, 
أربعة منها تحيط بالممر, يتوضع أثنين منها في الجهة الشمالية وأخرين
في الجهة الجنوبية , تم الكشف عن ثلاثة مدافن منها , وأجريت دراسة أولية 
علمية كاملة للمدفن رقم (1). ودراسة أولية للمدفنين ذوي الأرقام (2-3). 
 (الشكل رقم 8)

1- المدفن رقم (1) :

يتوضع بالقرب من الجدار الشمالي للكاتدرائية, وهوعبارة عن مدفن منحوت من
طبيعة حجرية ذوغطاء مدرج وزنه حوالي 2طن أبعاده ( 50, 2 م×20,1 م
توضع تحت الغطاء هيكل عظمي بشري كامل تقريباً في حالة هشة نظراً لطبيعة 
التربة المتواجد  فيها .

 - وضعية الدفن :
   
 دفن المتوفى ضمن تابوت خشبي ، حيث تم العثور على مسامير حديدية 
في زوايا القبر الأربعة ، مع غياب أي أثر لألواح التابوت الخشبية 
التي تلاشت مع الزمن. يرقد الهيكل على ظهره بشكل واضح ،
الأرجل ممددة على طول المدفن في حين أن الأيدي تتصالب في مستوى 
الحوض،الرأس يتجه حول الشمال .

 -  نتائج الدراسة الأنتروبولوجية الحيوية :

تشير الدراسة الأنتروبولوجية  التشريحية أن الهيكل  العظمي يعود إلى رجل
يتراوح عمره ما بين(40-45 سنة ),
ذو قامة متوسطة (1,65-1,70م), ولم يلاحظ أن المتوفى مارس أي عمل
أو نشاط شاق في حياته وهذا ما تبرزه عظام الأطراف العلوية والسفلية . 
مع وجود بعض الآثار المرضية الواضحة تبرزها العظام  نذكر منها :
التهابات طفيفة لأقراص التمفصل الفقرية , وعظم لوح الكتف .
الأطراف السفلية من المحتمل أن تكون من أصل وراثي ,
وتأكل سطوح الأسنان الأمامية والخلفية نتيجة تناول الغذاء من طبيعة قاسية 
واستخدام الأسنان لأغراض أخرى غير تناول الطعام. إضافة إلى ذلك  تبرز
الأسنان ظاهرة التكسر في مستوى عنق السن وهذه الظاهرة تبرزها
الهياكل المدفونة في أماكن شديدة الحرارة  مثل الجزيرة السورية.
أثناء عملية التنقيب تم ملاحظة وجود مسامير حديدية عديدة تم غرزها 
في جسم  الرجل أثناء حياته في أماكن محددة وواضحة وهذا ما سبب الوفاة .
ولا يوجد أي مجال للشك في أن المسامير تم غرزها في الجسم وهذا ما
أوضحته عملية التنقيب الدقيقة.حيث تم تحديد تمركز هذه المسامير المغروزة 
في الأماكن التشريحية التالية: مسمار حديدي في منطقة تمفصل الفك السفلي
مع الجمجمة ( الطرف الأيسر ) - مسمار حديدي داخل الجمجمة (ساق متشعبة ).
- مسمار حديدي غرز في منطقة القدم : بين عظم الشظية الغليظ ( Tibia)
والرفيع (f ibula ) - مسامير حديدية في الزوايا الأربعة من هذا المدفن 
خاصة بالتابوت . 
الدراسة التي أجرتها د.رانيا العلي في مخبر الأنتروبولوجيا في مدينة
حلب أتمت الملاحظات التي تم جمعها أثناء عملية التنقيب,وهي تكسر
 وتفتت في عظم الفك السفلي وكذلك في عظم الشظية الأيسر الغليظ 
وآثار واضحة لتواجد المسمار الحديدي على عظم الشظية الرفيع .
وتعتبر المسامير الحديدية المغروزة في الهيكل العظمي الواضحة وبشكل
 قطعي ,من أهم ما تم اكتشافه عنه في المدفن, ومن خلال الدراسة
المحكمة أثناء التنقيب الدقيق , والدراسة الأنتروبولوجية في المخبر .
 يمكن  القول بأن هذا الرجل تم تعذيبه وذلك بغرز مسامير حديدية في أجزاء
متعددة من جسمه. وبذلك تعتبر الظاهرة الوحيدة والفريدة من نوعها المكتشفة 
في تاريخ الجزيرة السورية . (الشكل رقم 9) 

 - نتائج  تأريخ عظام القبر بواسطة الكربون المشع ( C14 ):


أكدت نتائج  التحليل بواسطة الكربون المشع ( C14 ) التي أجريت على أجزاء
 من الهيكل العظمي في المخبر العائد لمركز الآثار بجامعة وارسو أن احتمال 
حالة الوفاة تعود إلى (1265+_30 سنة) من (عام  2009م ),
أي أنه توفي بين عامي (714 - 774 م ).
  
2- المدفن رقم (2):

توضع إلى الشمال من  المدفن رقم (1) غطي سطح القبر نصفياً بطبقة 
من اللبن والنصف الآخر طمر بالتراب ، وجد بداخله هيكل عظمي
بحالة سيئة  لذلك تمت دراسته مباشرة على أرض الواقع.
حالة التمفصل الواضحة تدل على أنه ردم بالتراب ولم يتم تحريكه
من المكان الدفني الأول. تم دفنه على الظهر, الأيدي منثنية قليلاً ,
والأرجل ممددة على طول المدفن . اتجاه الدفن  غرب – شرق ,
توضع الرأس في الجهة الغربية ويتجه الوجه نحو الجنوب.
أوضحت الدراسة الأنتروبولوجية أنه يعود إلى رجل يتراوح عمره 
مابين (35-40سنة )، يتراوح طوله  مابين ( 157- 159سم ). 
كما أظهرت الدراسة المخبرية وجود بعض الظواهر المرضية مثل:
التهابات في الفقرة الرقبية الثانية , تثقب شديد في العظم القحفي 
( الوجه الداخلي العظمي ) . الفك السفلي أبرز غياب أو سقوط للسن الأمامي
الأيسر الثالث  فقد أثناء حياة المتوفى  أي قبل الموت بفترة طويلة , 
وكذلك تآكل في السطوح السنية الأمامية والخلفية . (الشكل رقم 10)

3- المدفن رقم (3) :

توضع في الجهة الشمالية من المقبرة غرب الهيكل الشمالي,
أعتمدت فيه طريقة الدفن البئرية التي قامت على حفر حفرة بعمق (1 م )
تلاها فتحة في الجهة الجنوبية, ثم تجويف جانبي , وضع فيه المتوفي,
ومن ثم أغلق باللبن بواسطة ستة لبنات , ومن ثم تم ردم الحفرة بالتراب.
يرقد الهيكل على ظهره بشكل واضح,الأرجل ممددة على طول المدفن 
في حين أن الأيدي تتصالب في مستوى الحوض ، اتجاه الدفن غرب - شرق,
توضع الرأس في الجهة الغربية ويتجه الوجه نحو الجنوب,

أوضحت الدراسة الأنتروبولوجية أنه يعود إلى رجل يتراوح طوله مابين

( 165- 168سم ).  (الشكل رقم 11)

إنَّ الاكتشافات الأثرية الحديثة في تل الحسكة أضافت معلومات جديدة عن 

تاريخ  هذه المنطقة خلال الفترة المسيحية المبكرة, و التي لم تكن معروفة سابقاً.

فمن خلال مقارنة ما تم الكشف عنه في الموقع مع المواقع الأخرى القريبة منها

والبعيدة  تبين وجود تشابه في العديد من النقاط الأساسية. كالمخططات المعمارية

, والأشكال الزخرفية (الشكل رقم 12) . ووضع على بساط البحث العلمي مزيداً 
من الأسئلة عن الموقع وعلاقته مع المواقع الأخرى خلال هذه الفترة.

بقلم د.عبدالمسيح حنا بغدو 12-2-2017م


المصادر والمراجع المعتمدة في البحث


1- أثناسيو, متري هاجي . سورية المسيحية في الألف الأول الميلادي,سورية الشمالية,
                               المجلد (1-2), دمشق 1997.

2- بغدو , عبدالمسيح .مائة وخمسون عاماً من البحث الأثري في الجزيرة السورية - دمشق 2009م

3- Ali,R. Rapport préliminaire de l’étude anthropologique de la tombe
 découverte à tell  AL  Hasake. 2008, Alep.
                                        
4- Derkivorien ,Ch. Relations architecturales entre les édifices en Arménie et Syrie.   Traduit par Dr. Alexander Kechichian, Alep, 2002.

FULLER , M. ET, N. TELL TUNEINIR (Middle Khabur) (5 TH Campaign,1992),-5
DAMASCUS,P:171-172 1992,               Chronique Arche'ologique EN SYRIE,  Valume I,

HABBI,J. THE CHURCHES OF MOSUL,BAGHDAD,1980- 6

7 -Rolling, W, Kuhne, H, 1977-1978. The lower habur a preliminary Report on a Survery Con du Cted by the Tubingen Atlas Des vorder Orient. In, 1975, AAAS, Vol, XXVII-XXVIII, Damascus. Pp: 115-128.
        
TCHALENKO,G.VILLAGES ANTIQUES DE LA SYRIE DU NORD,-8
LE MASSIF DU BELUS A L EPOQUE ROMAIN II,PARIS,1953             



اللوحات


الشكل رقم 1


الشكل رقم 2



الشكل رقم 3


الشكل رقم 4

الشكل رقم 5

الشكل رقم 6

الشكل رقم 7

الشكل رقم 8


الشكل رقم 9


الشكل رقم 10



الشكل رقم 11



الشكل رقم 12

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق