2011/10/26

تل الحسكة الأثري درة أثرية مزروعة في قلب مدينة الحسكة



 24 تشرين الأول2011
الحسكة - سانا

في مركز مدينة الحسكة وفي الجهة الشرقية المطلة على نهر الخابور يقع تل الحسكة الذي تتوضع فوقه عدد من الثكنات والأبنية التي تعود لمرحلة الانتداب الفرنسي.
الأستاذ نزار حسن,والأستاذ كسار مرعي تاريخ الزيارة 4 -10-2011
لكن للتل قصة تحكيها الأسبار التي أجرتها البعثة الوطنية واللقى التي اكتشفتها حيث وجدت أن الاستيطان البشري لمركز مدينة الحسكة لا يعود إلى بدايات القرن العشرين الماضية بل تعود للألف الثاني قبل الميلاد وبشكل شبه متصل إلى عصرنا الحاضر.



وعن أهمية التل و ما يحتويه من لقى أثرية مهمة يقول الدكتور عبد المسيح بغدو رئيس البعثة الوطنية العاملة بالتل.. جاءت فكرة العمل في تل الحسكة عام 1996 عندما قرأت ترجمة رقيماً مسمارياً تم اكتشافه في تل الشيخ حمد يقول إن الملك الأشوري تيكولتيي نينورتا الأول في العصر الآشوري الوسيط وملوك آخرين في العصر الأشوري الحديث أي بين عامي 1200 حتى 800 قبل الميلاد قد جاؤوا عبر الحملات العسكرية من منطقة آشور حتى وصل إلى منطقة تائيدو وهي موقع تل الحمدي شمال تل براك بـ 20 كيلومتراً ثم تابعوا المسير لمدة يومين باتجاه مكريزي وهو المكان الذي يلتقي فيه نهر الخابور مع نهر الجغجغ ليستريحوا هناك.
ويكمل بغدو.. يحيط بمركز مدينة الحسكة العديد من التلال الأثرية منها تل مجرجع وتل غرة وتل غويران وتل الحسكة وتل أبو بكر وغيرها ويوجد بين تل الحسكة وملتقى نهر الخابور بالجغجغ حوالي 1700 متر حيث يرجح علماء الآثار ومنهم ديفد أوتس ,وهارتموت كونة أنه من الممكن أن يكون تل بيزاري الذي أشار الرقيم المسماري إليه هو مدينة ( مكريزي), أو تل الحسكة ومن خلال الأسبار التي أجريت في التل وجدت بعض السويات التي تشير إلى وجود شيء ما يخفيه التل ومن خلال المراسلات.وبناء عليه تم نقل ملكية التل من ملاك وزارة الدفاع إلى ملكية وزارة الثقافة.
وأكد بغدو أن العمل في تل الحسكة كان ذا هدفين الأول سياحي وهو تسوير الموقع لإظهاره بالشكل اللائق, وترميم الأبنية الفرنسية التي تعود لفترة الانتداب الفرنسي الموجودة في الموقع بهدف استخدام الأبنية كمركز بحث علمي أو معهد آثار أو محلات لصناعات تقليدية وشعبية ومن بعد الهدف السياحي يأتي الهدف الأثري.
ويضيف بغدو في عام 2007 تسلمنا الموقع وفي العام 2008 حصلنا على الموافقة لبعثة أثرية وطنية وبدأنا على إثر ذلك العمل والتنقيب في الموقع وقد أجري بحث سابق للموقع (مسح أثري) تبين من خلاله وجود سويات تعود للألف الثاني والثالث والرابع قبل الميلاد .
بدأنا العمل في الساحة مباشرة(الجهة الشرقية من التل) ونتيجة كل هذه الأعمال تم اكتشاف كاتدرائية متكاملة تعود للقرن الرابع الميلادي و لكن قبلها تم اكتشاف أساسات لجدران وبعض العمارة تعود للعصر المملوكي و أبنية أيوبية وعثمانية.
أما الكاتدرائية المكتشفة فقد كانت بطول 31 متراً وعرض 18 متراً وتتألف من قسمين صحن الكاتدرائية وقدس الأقداس ويتألف صحن الكاتدرائية من ثلاثة أروقة رواق شمالي ورواق أوسط ورواق جنوبي يفصل بين الرواق الشمالي والأوسط قاعدتين لأربع أعمدة , وأحد العمودين المتهدمين نتيجة حدث ما وصل ارتفاعه مع القاعدة إلى قرابة 5 أمتار. وكذلك الأمر بين الأوسط والجنوبي ,وعلى الجدار الغربي قاعدتين لعمودين ,وفي واجهة قدس الأقداس قاعدتين لعمودين والأرضية مشيدة من الطين المشوي الملون والبناء الخارجي مبني من حجر بازلتي مغموس بالجص وصل ارتفاعه في أحد الأجزاء إلى 210 سم,
ويرى رئيس البعثة الوطنية أن الكاتدرائية مرت بعدة مراحل كانت البداية في الفترة المسيحية المبكرة أي في القرن الرابع أو الخامس الميلادي واستمرت حتى القرن الحادي عشر الميلادي وتتم دراسة أسباب انهيار هذه الكاتدرائية التي تعود على الأغلب إلى زلزال ضرب المنطقة أو نتيجة خطأ معماري أو ضعف بنية وفي المرحلة المتأخرة من بناء الكاتدرائية يوجد عنصر معماري (الأمبون) لم يتم الكشف عنه سابقا وهو عنصر معماري متطور عن( البيما) وهي عبارة عن مكان دائري لوقوف رجال الدين فيه ويمتد منه طريق بطول أكثر من سبعة أمتار باتجاه بيت القدس (الهيكل) يسمى الشقاقون يسلكه رجل الدين ويقوم بإلقاء الموعظة فيه.
وقدس الأقداس يتألف من ثلاث غرف الأولى هي الهيكل أو بيت القدس والثانية هي المعمودية والثالثة هي السكرستية وهي مكان لباس رجال الدين وقد وجد في قدس الأقداس أربعة أعمدة لوضع المائدة المقدسة وفي الجهة الغربية تم الكشف عن معصرة لتحويل العنب إلى نبيذ بالقرب من غرفة السكرستية, ويقدر عدد الناس الذين كانوا يجلسون في الكاتدرائية ما بين 650-700 شخص.
وفي القطاع الجنوبي من التل وعلى مقربة من الأبنية المحيطة بالساحة والمدخل الرئيسي عثر على قاعة قد تكون للاستقبال أو مركز قد يكون لرجال الدين لممارسة بعض الطقوس الدينية كما تم الكشف في الزاوية الجنوبية الغربية عن بئر للماء إضافة إلى كرسي المطران وصندوق الذخائر يوضع فيه رفات قديس (غرفة المعمودية) و يصب عليها الزيت ليتبارك منه المؤمنون حسب اعتقادهم كما تم اكتشاف ختم الخبز( البرشان).
ويختتم بغدو قائلاً: النتيجة المهمة هي تاريخ مدينة الحسكة وما يشاع أنها سكنت في القرن التاسع عشر أو العشرين لكن من خلال العناصر المعمارية واللقى الموجودة في التل من ثكنة عسكرية سورية وقبلها فرنسية وعثمانية والعثور على أساسات سور مملوكية وعمارة أيوبية وكاتدرائية امتدت في الفترة البيزنطية ثم الإسلامية والأموية والعباسية ومن ثم سوية رومانية إذا يمكن القول إن الوجود السكاني في الموقع يمتد حتى القرن الثاني الميلادي وهذا يؤكد استمرار الاستقرار في مدينة الحسكة منذ الفترة الآشورية في الألف الثاني قبل الميلاد و حتى عصرنا الحديث مع وجود بعض الانقطاعات الزمنية لهذا الاستقرار.

تقرير: نزار حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق