يقع تل ليلان على الضفة اليسرى من وادي الجراح عند التقائه
بوادي القطراني، وذلك على بعد 120كم إلى الشمال الشرقي
من مدينة الحسكة، حيث تبلغ مساحته 90هكتاراً،
ويرتفع عن السهول المحيطة به 20م.
أول من زار تل ليلان الباحث الأثري "هرمز رسام" عام 1878م
الذي بحث في جغرافية مثلث الخابور، ثم"ماكس فون أوبنها يم"،
وفي عام 1921م وصف "فورر" الموقع، وشبهه بالعواصم الأشورية،
ويعتبر"فالكنر" أول اللغويين الذين حددوا مكان عاصمة الملك الأشوري
شمشي أدد/ هدد الأول /شوبات إنليل/ بموقع تل ليلان،
وبهدف دراسة تاريخ الموقع، وشروط المعيشة، وتطورات الحضارة فيه
فقد بدأت بعثة أثرية أمريكية من جامعة ييل عام 1978م أعمال التنقيب
الأثري في تل ليلان برئاسة د. " هارفي وايس"،
ومن خلال الأسبار وأعمال التنقيب المنهجي التي قامت بها البعثة لعدة مواسم
في عدة قطاعات فقد تبين أن تأريخ الاستيطان في الموقع بدأ منذ
منتصف الألف السادس ق.م، واستمر حتى نهاية القرن الثامن عشر ق.م.
وقد عثرت البعثة داخل أقدم السويات الأثرية على مجموعة فخاريات تعود
إلى فترة حضارة حلف،إلاَّ أنها لم تكشف عن أي منشأة معمارية تعود إلى
هذه الفترة، مما جعل البعثة تعتقد بأن الموقع خلال فترة حلف كان قرية
صغيرة تتوضع قرب وادي الجراح.
كما تم الكشف عن فخاريات ملونة مصنوعة باليد وهي غير مشوية تعود إلى
فترة الحضارة العبيدية، وبالقرب من السور في القسم الشمالي الغربي من التل
ضمن السوية العائدة إلى فترة أوروك كشف عن الأواني الناقوسية التي تمثل
هذه الفترة.
لقد اكتسب الموقع أهمية خاصة خلال النصف الأول من الألف الثالث ق.م
حيث بلغت مساحته 15هكتاراً، وذلك من خلال ما تمَّ الكشف عنه في
المدينة المنخفضة من منشأة سكنية هامة تألفت من شارع وبيوت تعود إلى
فترة نينوى/5/، عثر بداخلها على فخاريات، وكؤوس صفراء لامعة محززة
ذات إطارات بسيطة أو محززة بشكل معكوس، وقواعد لتماثيل جميلة الزينة
ملونة، وأوعية للطبخ بانحناءات أفقية وهلالية تحت الإطار مسطحة ومزخرفة،
وعلى أغطية دائرية، وقد أكدت مكتشفات هذه الفترة على تميّز فخار نينوى /5/
الذي كشف عنه خلال ثلاث فترات رئيسة، وعلى قوة الثقافة المتطورة محلياً.
هذا وقد شهد تل ليلان منذ أواسط الألف الثالث ق.م ازدياداً مفاجئاً في حجم
الاستيطان، وتطوراً حضارياً تمثل في تنفيذ نظام دفاعي، وإنشاء سور للمدينة،
واتساع المناطق السكنية، وامتدادها إلى القسم المنخفض منها ليتحول الموقع من
قرية صغيرة إلى حجم مدينة وصلت مساحتها إلى 90هكتاراً تحوّل تنظيمها
السياسي والاقتصادي إلى شكل مدني لتصبح أضخم مركز في منطقة الخابور.
أمّا في بداية الألف الثاني ق.م فقد كان تل ليلان إحدى نقاط طريق القوافل في
التجارة إلى كباد وكيا cappadocian بين آشور وإمارات الأناضول،
ومن أهم الشواهد المعمارية التي عثر عليها في الجهة الشمالية الشرقية من
المدينة المرتفعة
الأكروبول ضمن الطبقة الثانية المعبد الذي احتوى على قاعة
مركزية أبعادها 18 ،25× 8 م، يحيط بها الغرف من الجانبين الشرقي والغربي،
ويتم الدخول إليها عبر بوابة رئيسة من الجهة الجنوبية ذات الأبعاد 8،5×4م،
وعبر بوابتين جانبيتين، وأهم ما تميز به المعبد واجهاته وأعمدته الملتوية
والمزخرفة بخطوط حلزونية وبجذوع النخيل المتوضعة في الطرف الشمالي
الغربي منه .
كما وجد في داخله أوان فخارية ورقم مسمارية وطبعات أختام اسطوانية الشكل
عليها كتابة مسمارية ، وعلى أساسها تم معرفة الفترة الزمنية التي شُيدَّ فيها هذا
المعبد، وهو مشابه للمعبد الذي بناه شمشي أدد- هدد الأول في تل الرماح.
وفي المدينة المنخفضة القطاع /3/ كشف عن قصر عثر في داخله على أرشيف
ضمَّ حوالي (650) رقيماً مسمارياً مدونة باللهجة البابلية القديمة تضمَّنت نصوصاً
إدارية واقتصادية، ورسائل سياسية، ومعاهدات ألقت أضواءً جديدة على التطورات
التي حدثت في منطقة الخابور بعد سقوط مدينة ماري، وقدمت معلومات هامة عن
الفترة الأخيرة من تل ليلان. وبالرغم من أن القسم الأعظم من القصر لم ينقب بعد
إلا أن الاكتشافات التي تحققت فيه أكدت أهمية هذه المنطقة.
إن دراسة النصوص المكتشفة في كل من ماري وتل براك وتل ليلان تشير إلى
أن تل ليلان هو مدينة شوبات إنليل مقر الإله إنليل ،وأن هذه التسمية أطلقت على
المدينة في عهد شمشي أدد/هدد الأول أما اسمها القديم فهو شخنا (ŠEHNA)،
وكانت عاصمة بلاد أبوم (Apum) في نهاية الألف الثالث ق. م.
وأن هذا الاسم عاد من جديد بعد وفاة شمشي أدد/ هدد الأول (عام 1776ق.م
.وقد دمرت هذه المدينة أخيراً على يد سمسو إيلونا ملك بابل عام 1728ق.م .
المرجع : بغدو , عبدالمسيح . مائة وخمسون عاماً من البحث الأثري
في الجزيرة السورية – دمشق 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق