مئة وخمسون عاماً من البحث الأثري في الجزيرة السورية
صدر مؤخراً عن المديرية العامة للآثار والمتاحف كتاب بعنوان (مئة وخمسون عاماً من البحث الأثري في الجزيرة السورية). يشكل الكتاب تتويجاً لجهد علمي وتوثيقي كبير قام به الأستاذ عبد المسيح حنا بغدو، الذي واكب مطولاً عمل البعثات الأثرية، وهو حالياً مدير لدائرة آثار محافظة الحسكة.
منهجياً رُتّبت محتويات الكتاب حسب التسلسل الزمني لأعمال التنقيبات التي جرت في الجزيرة السورية (محافظة الحسكة)، خلال أكثر من مئة وخمسين عاماً. لذلك توزع الكتاب على الأقسام التالية:
القسم الأول: جغرافية الجزيرة السورية (محافظة الحسكة).
القسم الثاني: ضم الأبحاث الأثرية في الجزيرة السورية، منذ عام 1850 حتى عام 1976.
أما القسم الثالث: فقد احتوى على خلاصة الأبحاث الأثرية في الجزيرة السورية من عام 1976م إلى عام 2006.
في حين اقتصر القسم الرابع على نتائج الأبحاث الأثرية لحملة إنقاذ آثار حوض الخابور.
أما القسم الخامس فقد لخص نتائج وجدولة المسح الأثري في الجزيرة السورية، كما احتوى الكتاب على خاتمة وعديد من الصور الوثائقية للتلال واللقى الأثرية المكتشفة في المدن والعواصم الرئيسية العائدة لحضارات شمال سورية المميزة.
يتضح من متن الكتاب المعلومات الجديدة في مجال التاريخ والاستشراق، وأولها أن البحث الأثري المنهجي المرافق للحفريات المنظمة والسبور الشاقولية قد جرى في ربيع عام1850، وربما لأول مرة في كل أنحاء سورية. إذ توجه العالم الأثري أوستن هنري لايارد من العراق إلى الجزيرة السورية لينقب في تل عجاجة جنوب مدينة الحسكة على نهر الخابور، وذلك بعد أن كشف السكان فيها مصادفة عن تماثيل حجرية كبيرة. وكان لايارد يتوقع أن يكتشف موقعاً لا يقل أهمية عن المواقع المكتشفة يومئذ في العراق (مما دعاه إلى تنظيم حملة استكشافية، أجرى فيها سبرين طوليين في التل، عثر من خلالهما على بقايا قصر آشوري، وعدد من التماثيل كالثور المجنح، وكؤوس عليها نقوش، وخمس منحوتات تمثل ثلاثة ثيران لها رأس إنسان وسبع وجنّي، وهكذا قادت تلك الشواهد إلى أن اعتقد العلماء بأن التل يخفي في ثناياه مدينة شاديكاني...) ص52.
جاء من بعده الباحث ج. سميث الذي تمكن من معرفة اسم المدينة التي تقع على تل عجاجة وأثبت أنها مدينة (شاد يكاني) التي هي إحدى أهم الحواضر الحورية-الميتانية العائدة إلى مرحلة أواسط الألف الثاني ق.م.
استند سميث بكشفه هذا على نصوص مسمارية تعود إلى القرن التاسع ق.م، فكان هذا التل الموقع الوحيد الذي عرف الآثاريون اسمه الأصلي في تلك الفترة المبكرة من تاريخ البحث الأثري في منطقة حوض الخابور والجزيرة السورية عموماً.
المرحلة الثانية والمهمة والمثيرة في البحث الأثري كانت نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بين أعوام 1899-1911، عندما حصل الألماني ماكس فون أوبنهاليم على حق التنقيب في تل حَلَف بجوار رأس العين، وكشف فيها عن تعاقب حضاري مدهش يعود إلى نحو سبعة آلاف عام، إضافة إلى الكشف عن عاصمة مملكة غوزانا الآرامية، وعدد كبير من التماثيل والمعالم المعمارية الضخمة والمميزة وذات الخصوصية السورية الشمالية الأصيلة، وخاصة المنشأة التي سميت معبد القصر وواجهته التي نقلت إلى برلين (حيث النسخة المستنسخة عنها تشكل مدخل متحف حلب).
استمر أوبنهاليم في أعمال الحفريات بعد الحرب العالمية الأولى حتى عام1929.
إلا أن نهاية هذه المرحلة من البحث الأثري كانت على يد الباحث التاريخي والمفكر أنطون موتكارت، فعندما كان ينقب في تل أيلون بجوار مدينة الدرباسية عام1956، حدث العدوان الثلاثي على مصر. فحمل موتكارت عدته ورحل عن الجزيرة السورية، فانقطعت التنقيبات الأثرية في محافظة الحسكة من بعده لمدة عشرين سنة، حتى عام 1976.
ونظراًً للمعلومات التاريخية المتزايدة والمتقاطعة التي أكدت باستمرار أهمية الجزيرة السورية في التاريخ الحضاري العام على مدى آلاف السنين، فإنه ما كان يمكن للباحثين ومراكز البحث التاريخي الأثري الاستغناء عن الاستكشاف والبحث والتنقيب في الجزيرة السورية. لذلك استصدر معهد الآثار بلندن قراراً باستئناف التنقيب عام 1976 في تل براك شمال شرق مدينة الحسكة، وقامت به بعثة إنكليزية استأنفت البحث الذي بدأه ماكس مالوان وزوجته أغاتا كريستي في أعوام (1937-1939).
فشكلت هذه البعثة الجديدة نقطة ربط بين البحثين الأثريين القديم والجديد، وكان ذلك في الواقع بداية للمرحلة المعاصرة من البحث الأثري في محافظة الحسكة.
هذه المرحلة تطورت وتوسعت بعد بناء السدود على نهر الخابور، إثر إطلاق الحملة الدولية لإنقاذ الآثار ضمن تلال الخابور، التي كانت ستغمرها المياه.
وثق البحث ـ الكتاب لأعمال التنقيب وسلط الضوء على نتائجها المهمة، وكشف عن اتساع الحضارات التي تعاقبت في الجزيرة السورية وغناها التي نشأت فيها وطورت المجتمعات البشرية القديمة وزودتها بالمعرفة والعلم والحرف والمهن والزراعة. خاصة الحضارات: الأكادية والآشورية والبابلية والحثية والحورية- الميتانية، وأخيراً الآرامية، إضافة إلى عهود الحكم اليوناني - الروماني والفارسي.
هذه الحضارات المتعاقبة والمتراكبة، مازالت موضوع بحث طويل الأمد من قبل الآثاريين والمستشرقين منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومازالت الاكتشافات المعرفية تتواصل مع استمرار هذه الحفريات الأثرية والمعرفية.
* الكتاب: مئة وخمسون عاماً من البحث الأثري في الجزيرة السورية.
* عبد المسيح حنا بغدو.
* المديرية العامة للآثار والمتاحف.
* دمشق 2009.
هل الكتاب متوفر الكترونيا ؟
ردحذفلا غير متوفر على ما اعتقد فهو موجود في مديرية الاثار ورقي ان كنت ترقب بقتنائة
ردحذفمتوفر بي ديف
ردحذف