2018/07/27

اكتشاف مدينة تعود إلى الفترة الأكادية في تل مبطوح شرقي TELL MABTUH SHARQI



البحث الأثري في تل مبطوح شرقيTELL MABTUH SHARQI:





  

يقع تل مبطوح شرقي على الضفة اليسرى لوادي عقربة وذلك

 على بعد37كمغربي مدينة الحسكة، و8كم شمال جبل عبد العزيز،

 تبلغ مساحة التل الرئيس 29هكتاراً، ويرتفع عن السهول المحيطة به 16.5م،

وهو عبارة عن تل دائري الشكل قطره الداخلي 542م، والخارجي 833م،

 يحيط به سوران؛ داخلي، وخارجي، يتخللهما سبعة مداخل ظاهرة،

وهي على الأغلب بوابات المدينة القديمة للموقع، تتجه نحو المدن القديمة

 الهامة مثل: تل براك - تل بيدر - تل خويرة - تل الحريري /ماري.

إن الموقع الاستراتيجي الهام لتل مبطوح شرقي جنوب الواقع غرب

مجرى نهر الخابور في المنطقة الممتدة شمال سلسلة جبل عبد العزيز

ذات الطبيعة الكلسية البيضاء، والغنية بالثروات النباتية والحيوانية جعل

 منه مدينة عامرة على مساحة إجمالية تقّدر بـ 69هكتاراً خلال الألف الثالث ق.م

 تبسط وجودها على منطقة واسعة مابين مناطق جبل سنجار،

 ومناطق جبل عبد العزيز، وذلك من حيث السيطرة على طرق المواصلات

 التجارية، والاتصال بالحضارات القديمة.

 بين عامي 2001-1986م أجرت بعثة أثرية أميركية من جامعة ييل

برئاسة د. "فرانك هول" أعمال مسح أثري شمل جميع المواقع الأثرية

الواقعة شمال وجنوب منطقة جبل عبد العزيز ومن ضمنها تل مبطوح شرقي.

وفي عام 2001م بدأت بعثة أثرية سورية من المديرية العامة للآثار والمتاحف

 أعمال التنقيب الأثري في الموقع برئاسة د. "أنطوان سليمان- عبدالمسيح بغدو

" بالتتابع بهدف التعرف على بنية تكوين التل من الناحية المعمارية،

 ومعرفة الدور الاقتصادي والتجاري لهذه المدينة خلال الألف الثالث ق.م.

لقد دلت الكسر الفخارية المنتشرة على سطح التل أن تأريخ الاستيطان في الموقع

 يعود إلى النصف الثاني من الألف الثالث ق.م، وفي الجهة الشمالية ما بين

 السور الخارجي و الداخلي وجدت كسر فخارية تعود إلى الألف الثاني ق.م،

 وإلى فترة الحضارة البيزنطية، وفترة الحضارة العربية الإسلامية.

كما بينت أعمال التنقيب المنهجي التي تمت في الموقع خلال ستة مواسم في

 عدة قطاعات وجود حضارة هامة، وذلك من خلال الكشف عن بقايا معمارية

متعددة ذات نظام معماري محصن متمثل في مدينة ذات نظام مدني، وديني،

  وعسكري، وسياسي.

هذا وقد امتازت العمارة المدنية بوجود أبنية سكنية ذات جدران عريضة تقوم

على أساسات حجرية كلسية طليت جدرانها الداخلية بالجص الأبيض تم التعرف

 عليها في القطاعين P،J  تألفت معظم منازلها من غرف كبيرة احتوى محيطها

 الداخلي على مصاطب للجلوس مبنية من اللبن، ومطلية بالكلس، وغرفة صغيرة،

 وكانت باحة أرضيتها مرصوفة بالحجارة والكلس، وقد عثر في داخلها على

ساحقات حبوب، وتناني،ر وأقنية لتصريف المياه، تنفتح أبوابها على الشوارع،

 تفصلها عن بعضها البعض مسارات ترتبط بها مباشرة، وعدة غرف صغيرة تم

 الكشف عنها في القطاع I معظم أرضياتها وجدرانها مطلية بالجص، يخترقها

شوارع يعتقد أنها ورشات لصناعة الجلود، ومواد أخرى. بالإضافة إلى مجموعة

 غرف صغيرة كشف عنها في القطاع Qعثر في داخل إحداها على ختم اسطواني

 عليه زخارف لحيوانين يجران عربة عليها شخصان يعود إلى الفترة الأكادية القديمة.

 وفي القطاع (P) تم التعرف على مجموعة أبنية جدرانها مغطاة بطبقة من الكلس

 مبنية من اللبن المستطيل 36×56سم، عرضها حوالي متر واحد، وقد عثر في

داخلها على جرة صغيرة احتوت على مجموعة من الأدوات البرونزية ذات الأشكال

 والأحجام المختلفة.

أما العمارة الدينية فقد تمثلت بوجود معبدين؛ الأول تم الكشف عنه في القطاع N ،

وهو ذو شكل مستطيل مؤلف من قاعة واحدة CELLA)، وقد بلغ  طوله 14م،

 وتراوح عرض جدرانه مابين 1.6-2م، شيّد على أساسات حجرية ضخمة معظم

جداره الغربي مغطى باللبن المربع الشكل، يقع مدخله في منتصف الضلع الجنوبي،

 ويقابله مصطبة على الضلع الشمالي من الداخل والخارج

 أما المعبد الثاني فقد تمّ التعرف عليه في القطاع C2 ،وهو ذو شكل شبه مربع،

 مؤلف من قاعة واحدة CELLA) طوله 12م، وعرض جدرانه 2م،

 وهو مبني على أساسات حجرية ضخمة مدخله في نهاية الضلع الغربي

 من الجهة الشمالية ويقابله مصطبة بارزة متدرجة نحو الداخل والخارج

 على الضلع الشرقي.

كما عثر في منطقة المعبد ذاتها على أربع كسر فخارية كانت مدغومة

بطبعات ختم أسطواني، مع وجود سطر عليها نُقشت عليه كتابة باللغة

المسمارية الأكادية القديمة (IN-DA-ŠAR-RU-I-LI) وتعني

 الملك هو إلهي الذي اجتهد وأبدع في قراءته د. "جورجيو بوتشيلاتي".

إنَّ مخططات هذين المعبدين ذوي القاعة الواحدة المستطيلة الشكل تتشابه

 مع معابد تل خويرة، وبذلك نستطيع القول أن تل مبطوح شرقي وتل خويرة

 كانا على خط حضاري واحد خلال العصر الأكادي، ومع معابد

تل كشكشوك([1]) وتل رقاي، وتل براك، إلاَّ أن تلك المعابد مبنية من اللبن،

 وليس لها أساسات حجرية.

وقد تميزت التحصينات الدفاعية ذات الصفة العسكرية التي كشف عنها في

 القطاعات (A-B-C) بوجود أجزاء من سور المدينة الداخلي المبني من اللبن

الذي تراوح عرضه مابين 3و5م 4وبرجان متقابلان يقعان على طرفي المدخل

 لم يبق منهما سوى القاعدة الحجرية.

و في القطاع (A) تم التعرف على عدة غرف، وقبر احتوى على أوان فخارية تعود

 إلى نهاية فترة نينوى (5) أي منتصف الألف الثالث ق.م، وتُعّد أقدم سوية تم التعرف

 عليها في الموقع.

هذا وقد ارتبطت البيئة الجنائزية في الموقع بوجود العديد من المدافن المختلفة الأشكال

التي اعتمدت طريقة الدفن القديمة المعروفة بدفن فجر السلالات، حيث تمّ التعرف

على طريقتين من الدفن الفردي.

الأولى : تمثلت بوجود اللبن حول الجثة مغطى بألواح من اللبن.

والثانية : بوضع الجثة في حفرة أحيط بها لبن واقف على فوهة الحفرة.بالإضافة إلى طريقة

 الدفن البئرية التي تقوم على حفر حفرة عميقة تليها فتحة ثم تجويف جانبي توضع الجثة مع

 الأدوات الجنائزية، ومن ثم يغلق باللبن أو الحجر، وتردم الحفرة بالتراب.

كما كشف على عدة قبور لأطفال ضمن مدافن مستطيلة مؤلفة من أربع أو ستة لبنات مغطاة

 باللبن  دفنوا بوضعية الجنين وبجانبهما وضعت بعض الأواني الفخارية والخرز، والصدف.  

وقد تمثلت العمارة السياسية بوجود منشأة معمارية ضخمة تم التعرف عليها في القطاع K)

محاطة بجدران طويلة زاد ارتفاعها على 4م وعرضها 2م توضعت في داخلها غرف

وممرات وفيها مبنى مبني من اللبن الأحمر القوي يعتقد أنه مبنى إداري هام

 القصر الملكي تألف من عدة غرف وباحة عثر في داخلها على مجموعة تنانير.

يحده من الجهة الشمالية والجنوبية باحتان كبيرتان، وجد على أرضية الباحة الجنوبية

 طبقة من الرماد مما دل على تعرض المبنى لحريق كبير. ويحيط به من الجهة الشرقية

 والغربية جدار حجري ضخم، وقد ضَّم الجدار الغربي درجاً حجرياً مؤلفاً من عشر درجات،

 مما يرجح وجود طابق ثان.

ومن اللقى الأثرية الهامة التي كشف عنها في تل مبطوح شرقي: أختام أسطوانية، وأدوات

 برونزية فؤوس- خناجر- مخارز وحجرية، ومجموعة من الأواني الفخارية جرار- طاسات

 مختلفة الأحجام، بالإضافة إلى دواليب وعربات ودمى حيوانية وإنسانية، كانت جميعها

 مصنوعة من الطين المشوي، وكان من أبرزها دمية الربة الأم.

  من خلال دراسة المكتشفات الأثرية في تل مبطوح شرقي تم التوصل إلى معطيات

هامة حول تأريخ الموقع والبيئة المعمارية التي شكلت مدينة ذات حضارة لها كيانها السياسي

 و الديني والاقتصادي،بدءاً من المرحلة الأكادية القديمة أي حوالي 2400ق.م،

 وانتهاءً بالمرحلة الأكادية المتأخرة أي حوالي2100-2000ق. م

مما جعلها في موقع المنافسة والسيطرة والتواصل في الجزيرة السورية

وخاصة في منطقة جبل عبد العزيز.


المرجع : بغدو ,عبدالمسيح . مائة وخمسون عاماً من البحث الأثري

        في الجزيرة السورية - دمشق  2009







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق